01 من قوله: (حم، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 حم ۝ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ۝ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ۝ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ۝ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ۝ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:1-6].
يخبر تعالى أنه أنزل الكتاب على عبده، ورسوله محمد ﷺ، صلوات الله عليه دائمًا إلى يوم الدين، ووصف نفسه بالعزة التي لا ترام، والحكمة في الأقوال، والأفعال.
الشيخ: ومعنى العزة: أنه هو القاهر فوق عباده، والقادر على كل شيء، الذي لا يغالب ولا يغلب، وهو القاهر لعباده، والحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها عن علم لا عن سفه، يضع الأوامر مواضعها، الخلق الرزق الشرع كله عن حكمة.
ثم قال تعالى: مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ أي: لا على وجه العبث، والباطل، وَأَجَلٍ مُسَمًّى أي: وإلى مدة معينة مضروبة لا تزيد، ولا تنقص.
الشيخ: كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27]، بل خلقهما لحكمة ليعرف، ويعبد، ويعظم ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]، فبهذه المخلوقات والآيات تعرف حكمته، ويعرف علمه، وتعرف قدرته على كل شيء .
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3] أي: لاهون عما يراد بهم، وقد أنزل الله تعالى إليهم كتابًا، وأرسل إليهم رسولًا، وهم معرضون عن ذلك كله، أي: وسيعلمون غب ذلك.
الشيخ: وفيه الحذر لنا، التحذير لنا من التشبه بهم، فالمعرض عن التعلم والتفقه في الدين والعمل الصالح قد أشبههم، فالواجب الحذر، فإن أعرض الكفار وتساهلوا وغفلوا فالواجب على المسلم أن لا يعرض، وأن لا يغفل بل يتعلم ويتأدب، ويسارع بالعمل، قال في ذمهم: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44]، نسأل الله العافية.
ثم قال تعالى: قُلْ أي: لهؤلاء المشركين العابدين مع الله غيره، أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أي: أرشدوني إلى المكان الذي استقلوا بخلقه من الأرض، أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أي: ولا شرك لهم في السموات ولا في الأرض، وما يملكون من قطمير، إن الملك والتصرف كله إلا لله .
الشيخ: يعني ما الملك إلا لله هذا المعنى.
فكيف تعبدون معه غيره، وتشركون به؟ من أرشدكم إلى هذا؟ من دعاكم إليه؟ أهو أمركم به؟ أم هو شيء اقترحتموه من عند أنفسكم؟ ولهذا قال: ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أي: هاتوا كتابًا من كتب الله المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يأمركم بعبادة هذه الأصنام، أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ أي: دليل بين على هذا المسلك الذي سلكتموه إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أي: لا دليل لكم لا نقليًا ولا عقليًا على ذلك، ولهذا قرأ آخرون: أو أثرة من علم أي: أو علم صحيح تؤثرونه عن أحد ممن قبلكم، كما قال مجاهد في قوله تعالى: أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ أو أحد يأثر علمًا، وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أو بينة من الأمر.
وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى، عن سفيان، عن صفوان بن سليم، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال سفيان: لا أعلمه إلا عن النبي ﷺ، أو أثرة من علم، قال: الخط. وقال أبو بكر بن عياش: أو بقية من علم. وقال الحسن البصري: أو أثارة شيء يستخرجه فيثيره. وقال ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، وأبو بكر بن عياش أيضًا: أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ يعني الخط. وقال قتادة: أو أثارة من علم خاصة من علم، وكل هذه الأقوال متقاربة، وهي راجعة إلى ما قلناه، وهو اختيار ابن جرير رحمه الله، وأكرمه، وأحسن مثواه.
وقوله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف:5] أي: لا أضل ممن يدعو من دون الله أصنامًا، ويطلب ما لا تستطيعه إلى يوم القيامة، وهي غافلة عما يقول، لا تسمع، ولا تبصر، ولا تبطش؛ لأنها جماد، حجارة صم، وقوله تبارك وتعالى: وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:6].
الشيخ: والذي يدعو من دون الله يشمل الأصنام، ويشمل الأموات، ويشمل الغائبين من لا يستجيب له إلى يوم القيامة، وهم عن دعائهم غافلون، الميت غافل، والغائب غافل، والصنم ما عنده خبر، فهم أضل الناس، أضل الناس هؤلاء يدعون ميتًا أو غائبًا لا يسمع كلامهم أو صنمًا لا يعقل، ولا يفهم، أو عاجز، فهؤلاء هم أضل الناس، ويتركون السميع البصير القادر على كل شيء ، مثل قوله جل وعلا: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ۝ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ [فاطر:13-14] ما بين ميت أو جماد أو غائب، وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ [فاطر:14] ما عندهم قدرة، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14] .
كقوله : وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ۝ كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم:81، 82] أي: سيخونونهم أحوج ما يكونون إليهم. وقال الخليل عليه الصلاة والسلام: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [العنكبوت:25].
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ۝ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:7-9].   
يقول مخبرا عن المشركين في كفرهم، وعنادهم: إنهم إذا تتلى عليهم آيات الله بينات أي: في حال بيانها، ووضوحها، وجلائها؛ يقولون: هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ أي: سحر واضح، وقد كذبوا، وافتروا، وضلوا، وكفروا، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ يعنون محمدًا ﷺ، قال الله : قال الله : قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الأحقاف:8] أي: لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني وليس كذلك لعاقبني أشد العقوبة، ولم يقدر أحد من أهل الأرض لا أنتم ولا غيركم أن يجيرني منه، كقوله تبارك وتعالى: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ۝ إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ [الجن:22-23]، وقال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ۝ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ۝ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ۝ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحاقة:44-47]، ولهذا قال هاهنا: قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ هذا تهديد لهم، ووعيد أكيد، وترهيب شديد.
وقوله : وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ترغيب لهم إلى التوبة والإنابة، أي: ومع هذا كله إن رجعتم وتبتم تاب عليكم، وعفا عنكم، وغفر ورحم، وهذه الآية كقوله في سورة الفرقان: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ۝ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:5-6].
وقوله تبارك وتعالى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:9] أي: لست بأول رسول طرق العالم، بل قد جاءت الرسل من قبلي، فما أنا بالأمر الذي لا نظير له حتى تستنكروني، وتستبعدوا بعثتي إليكم، فإنه قد أرسل الله جل وعلا قبلي جميع الأنبياء إلى الأمم، قال ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، وقتادة: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ما أنا بأول رسول. ولم يحك ابن جرير، ولا ابن أبي حاتم غير ذلك.
وقوله تعالى: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: نزل بعدها لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2]، وهكذا قال عكرمة، والحسن، وقتادة: إنها منسوخة بقوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قالوا: ولما نزلت هذه الآية قال رجل من المسلمين: هذا قد بين الله تعالى ما هو فاعل بك يا رسول الله، فما هو فاعل بنا؟ فأنزل الله تعالى: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [الفتح:5] هكذا قال، والذي هو ثابت في الصحيح أن المؤمنين قالوا: هنيئًا لك يا رسول الله، فما لنا؟ فأنزل الله هذه الآية، وقال الضحاك: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ أي: ما أدري بماذا أومر، وبماذا أنهى بعد هذا؟
وقال أبو بكر الهذلي عن الحسن البصري في قوله تعالى: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ قال: أما في الآخرة فمعاذ الله، وقد علم أنه في الجنة، ولكن قال: لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، أأخرج كما أخرجت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبلي؟ أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلي؟ ولا أدري أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة؟ وهذا القول هو الذي عول عليه ابن جرير، وأنه لا يجوز غيره، ولا شك أن هذا هو اللائق به صلوات الله وسلامه عليه، فإنه بالنسبة إلى الآخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه، وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره، وأمر مشركي قريش، إلى ماذا، أيؤمنون، أم يكفرون؛ فيعذبون، فيستأصلون بكفرهم.
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أم العلاء، وهي امرأة من نسائهم، أخبرته وكانت بايعت رسول الله ﷺ قالت: طار لهم في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين عثمان بن مظعون ، فاشتكى عثمان عندنا فمرضناه، حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه، فدخل علينا رسول الله ﷺ، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، شهادتي عليك لقد أكرمك الله ، فقال رسول الله ﷺ: وما يدريك أن الله تعالى أكرمه، فقلت: لا أدري بأبي أنت وأمي، فقال رسول الله ﷺ: أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ﷺ ما يفعل بي.
قالت: فقلت: والله لا أزكي أحدًا بعده أبدًا، وأحزنني ذلك، فنمت فرأيت لعثمان عينًا تجري، فجئت إلى رسول الله ﷺ فأخبرته بذلك، فقال رسول الله ﷺ: ذلك عمله، فقد انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم، وفي لفظ له: ما أدري وأنا رسول الله ﷺ ما يفعل بي، وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ بدليل قولها: فأحزنني ذلك، وفي هذا وأمثاله دلالة على أنه لا يقطع لمعين بالجنة إلا الذي نص الشارع على تعيينهم كالعشرة، وابن سلام، والغميصاء، وبلال، وسراقة، وعبدالله بن عمرو بن حرام -والد جابر-، والقراء السبعين الذين قتلوا ببئر معونة، وزيد بن حارثة، وجعفر، وابن رواحة، وما أشبه هؤلاء .
وقوله: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ أي: إنما أتبع ما ينزله الله علي من الوحي، وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي: بين النذارة، وأمري ظاهر لكل ذي لب وعقل، والله أعلم.
س: ما الذي ترجحونه عفى الله عنك؟
الشيخ: كله صحيح، يحتمل أنه أراد بقوله: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولَا بِكُمْ من جهة تفاصيل أمر الآخرة، وإن كان يعلم أنه من عند الله، لكن التفاصيل وما قد يقع قبل ذلك قبل دخولها وفي المحشر ما يعلم إلا ما علمه الله، وليس مراده الشك في دخول الجنة، لكن التفاصيل وما يقع قبل ذلك، فلا مانع من الجمع بين القولين، قول ابن جرير، وجماعة: المراد به في أمور الدنيا، وهل يخرج من مكة، أو يبقى في مكة، وهل يموت في المدينة، ما يدري ما قدر الله له، علم الغيب إلى الله .
كذلك ما يقع من الأهوال والعجائب والغرائب قبل دخول الجنة، أما كون المؤمنين في الجنة فهذا أمر معلوم من حيث بعث الله نبيه ﷺ، هذا أمر معلوم، فالمؤمنون من أهل الجنة، والكفار من أهل النار، هذا قد بينه الله في كتابه العظيم، وبينه رسوله في سنته، لكن ما يكون قبل هذا من الأهوال والغرائب والعجائب في الدنيا والعجائب في البرزخ هذه ما يعلمها إلا الله، وإن كان الأنبياء خصهم الله بمزيد من العلم، ومزيد من الخير، لكن هناك أشياء تخفى عليهم.
س: قوله: ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي، هذا قبل أن يعرف منزلته في الجنة؟
الشيخ: قد يكون من جهة العموم، وإلا الجنة مقطوع بها، مثل ما قال ابن جرير وغيره، المؤمنون في الجنة كلهم، والأنبياء من باب أولى.
س: أولاد المشركين تبع لآبائهم؛ لأن في معهم ذرية في آخر الزمان؟
الشيخ: نعم!؟
الطالب: يقول النبي ﷺ: ويبقى شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة.
الشيخ: هذا من جهة الكفار، أما الصغار لا، ما عليهم ذنب، الصغار ما من مولود إلا يولد على الفطرة، غير داخلين في هذا.
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ۝ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ۝ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ۝ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:10-14].
يقول تعالى: قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين الكافرين بالقرآن: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ هذا القرآن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ أي: ما ظنكم أن الله صانع بكم إن كان هذا الكتاب الذي جئتكم به قد أنزله علي لأبلغكموه، وقد كفرتم به، وكذبتموه؟ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ أي: وقد شهدت بصدقه وصحته الكتب المتقدمة المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبلي، بشرت به، وأخبرت بمثل ما أخبر هذا القرآن به.
وقوله : فَآمَنَ أي: هذا الذي شهد بصدقه من بني إسرائيل لمعرفته بحقيقته، وَاسْتَكْبَرْتُمْ أنتم عن اتباعه، وقال مسروق: فآمن هذا الشاهد بنبيه وكتابه، وكفرتم أنتم بنبيكم وكتابكم، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، وهذا الشاهد اسم جنس يعم عبدالله بن سلام وغيره، فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبدالله بن سلام ، وهذه كقوله تبارك وتعالى: وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ [القصص:53]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ۝ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا [الإسراء:107، 108]، قال مسروق، والشعبي: ليس بعبدالله بن سلام، هذه الآية مكية، وإسلام عبدالله بن سلام كان بالمدينة. رواه عنهما ابن جرير، وابن أبي حاتم، واختاره ابن جرير.
وقال مالك عن أبي النضر، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: ما سمعت رسول الله ﷺ يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة، إلا لعبدالله بن سلام .
قال: وفيه نزلت وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ رواه البخاري، ومسلم، والنسائي من حديث مالك به، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وعكرمة، ويوسف بن عبدالله بن سلام، وهلال بن يساف، والسدي، والثوري، ومالك بن أنس، وابن زيد، أنهم كلهم قالوا: إنه عبدالله بن سلام.
وقوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ أي: قالوا عن المؤمنين بالقرآن لو كان القرآن خيرًا ما سبقنا هؤلاء إليه، يعنون: بلالًا، وعمارًا، وصهيبًا، وخبابًا ، وأشباههم، وأضرابهم من المستضعفين، والعبيد، والإماء، وما ذلك إلا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة، وله بهم عناية، وقد غلطوا في ذلك غلطًا فاحشًا، وأخطئوا خطأً بينًا كما قال تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا [الأنعام:53] أي: يتعجبون كيف اهتدى هؤلاء دوننا، ولهذا قالوا: لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ، وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة : هو بدعة؛ لأنه لو كان خيرًا لسبقونا إليه؛ لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها.
وقوله تعالى: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ أي: بالقرآن فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ أي: كذب قديم، أي: مأثور عن الناس الأقدمين، فينتقصون القرآن وأهله، وهذا هو الكبر الذي قال رسول الله ﷺ: بطر الحق، وغمط الناس.
الشيخ: وهذا من تزيين الشيطان لهم، أن هؤلاء لا يسبقونهم إلى الخير، هذا من جهلهم وضلالهم، فإن الخير بيد الله يوفق له من يشاء، فكم من فقير ومسكين وغير معروف يوفق للخير، وكم من كبير وعظيم يحرم الخير! فالخير بيد الله يعطيه من يشاء، ويوفق له من يشاء من عباده الراغبين في الخير، الحريصين عليه، وإن جهلهم الناس، وإن اختفوا في الناس، فالواجب على العاقل أن يتدبر، ويتعقل، ويتواضع، ويسأل ربه التوفيق، ولا يغتر بماله أو جاهه، أو يقول: لو كان هذا خيرًا لما سبقنا له فلان، وفلان، لماذا؟ قد يكون فلان وفلان خيرًا منك وأفضل، الذي ما عنده مال ما له قيمة المال، ما له جاه عندك ما له قيمة هذا، ربك أعلم وأحكم، أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [الأنعام:53]، فهو يعلم أحوالهم، فالواجب اتهام الرأي، واتهام النفس، وأن يكون المؤمن حريصًا على طلب الحق، وأن يتواضع لله، ويحرص على قبول الحق، ولا يزدري غيره، ويظن السوء بغيره بغير حق.
س: الآية السابقة: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأحقاف:10] هل هي مكية أم مدنية؟
الشيخ: السورة كلها مكية.
ثم قال تعالى: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى وهو التوراة إمامًا ورحمة، وَهَذَا كِتَابٌ يعني القرآن مُصَدِّقٌ أي: لما قبله من الكتب، لِسَانًا عَرَبِيًّا أي: فصيحًا بينًا واضحًا، لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ أي: مشتمل على النذارة للكافرين، والبشارة للمؤمنين، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تقدم تفسيرها في سورة حم السجدة، وقوله تعالى: فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي: فيما يستقبلون، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما خلفوا، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي: الأعمال سبب لنيل الرحمة لهم، وسبوغها عليهم، والله أعلم.
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:15، 16].
لما ذكر تعالى في الآية الأولى التوحيد له، وإخلاص العبادة، والاستقامة إليه، عطف بالوصية بالوالدين كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن كقوله : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وقوله : أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان: 14] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. وقال هاهنا: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا أي: أمرناه بالإحسان إليهما، والحنو عليهما.
وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة، أخبرني سماك بن حرب قال: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد قال: قالت أم سعد لسعد: أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين؟ فلا آكل طعاما، ولا أشرب شرابا حتى تكفر بالله تعالى، فامتنعت من الطعام، والشراب حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا، ونزلت هذه الآية، وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا الآية. ورواه مسلم، وأهل السنن إلا ابن ماجه من حديث شعبة بإسناده نحوه، وأطول منه.
الشيخ: وقد صبر عليها سعد، ولم يزل يدعوها إلى الله حتى هداها الله وأسلمت، جاء في رواية أنه قال: لو كان لك مائة نفس ثم خرجت نفسًا نفسًا لم أكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام، أكلتِ أو لم تأكلي، فلم يزالوا بها حتى أكلت، وحتى هداها الله للإسلام، وهكذا أم أبي هريرة لم يزل بها حتى هداها الله، وأسلمت.
فالإحسان إلى الوالدين ما هو معناه طاعتهما على المعاصي، لا، إنما يطاعون في المعروف، ولهذا قال جل وعلا: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا [لقمان:15]، مثل قصة أم سعد، وأبي هريرة، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا يعني أحسن إليهما، ولو كفرا، حتى يهديهما الله، فصبر سعد، وصبر أبو هريرة، وأحسنا إلى والدتهما حتى هداها الله، وأسلمت. 
س: العاق لوالديه إذا نصح أكثر من مرة، ولا يزيده النصحية إلا عقوق فهل يهجر؟
الشيخ: يستحق إن كان الهجر ينفع، إن كان الهجر ينفع لا بأس، وإن كان ما ينفع الهجر يستمر معه في النصيحة، وإلا يؤدب، يرفع أمره إلى المحكمة أو الهيئة، يؤدب.
 حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا أي: قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعبًا، من وحام، وغشيان، وثقل، وكرب، إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب، والمشقة، وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا أي: بمشقة أيضًا من الطلق، وشدته، وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرً.
وقد استدل علي بهذه الآية مع التي في لقمان، وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان:14]، وقوله تبارك وتعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233]، على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وهو استنباط قوي، صحيح، ووافقه عليه عثمان، وجماعة من الصحابة .
الشيخ: وهو واضح، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، ومدة الرضاع سنتان الجميع ثلاثون شهرًا، حمله ستة هذا أقل شيء، وفصاله أربع وعشرون شهرًا سنتان، وهي مدة الرضاع، ولكن الغالب أنه يتأخر إلى التاسع، فيولد في التاسع، هذا هو الغالب، وقد تلده في السابع.
س: قوله: من وحم، وغشيان، مستقيم؟ أو غثيان؟
الشيخ: يحتمل غثيان، ويحتمل غشيان، لأن الغثيان أقرب، والغشيان ما يغشاها من التألم، وتكدر النفس، والقيء، وغير ذلك.
س: وحام صحيحة؟
الشيخ: توحم الغالب توحم هو ما يصيب المرأة من التعب عند الحمل.
س: كلمة، وحام هل هي صحيحة؟
الشيخ: ما أدري، ما أذكر فيها، شف في القاموس، وحم فصل الواو مع الحاء.
قال محمد بن إسحاق بن يسار، عن يزيد بن عبدالله بن قسيط، عن معمر بن عبدالله الجهني، قال: تزوج رجل منا امرأة من جهينة، فولدت له لتمام ستة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان ، فذكر ذلك له، فبعث إليها، فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها فقالت: وما يبكيك؟ فو الله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط، فيقضي الله في ما شاء، فلما أتي بها عثمان أمر برجمها.
الشيخ: عن معمر بن عبدالله الجهني؟
الطالب: نعم.
طالب آخر: بعض الكتب بعجة.
الشيخ: أيش عندك أنت؟
الطالب: معمر بن عبدالله الجهني.
الشيخ: حط نسخة بعجة.
الطالب: الوحم، محركة: شدة شهوة الحبلى لمأكل، وقد وحمت، كورثت ووجلت، والاسم: الوحام بالكسر والفتح، وهي وحمى، جمع: وحام، ووحامى. والوحام محركة أيضا: اسم لما يشتهى، وشهوة النكاح، والشهوة في كل شيء، وحفيف الطير.
الشيخ: يقال وحمُ وِحام، وَحام، وهو ما يقع للمرأة من الحمل.
فبلغ ذلك عليًا : فأتاه فقال له: ما تصنع؟ قال: ولدت تمامًا لستة أشهر، وهل يكون ذلك، فقال له علي : أما تقرأ القرآن: قال: بلى. قال: أما سمعت الله يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا، وقال: حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] فلم نجده بقي إلا ستة أشهر، قال: فقال عثمان : والله ما فطنت لهذا، علي بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها، قال: فقال معمر: فو الله ما الغراب بالغراب، ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه، فلما رآه أبوه قال: ابني والله لا أشك فيه. قال: وابتلاه الله تعالى بهذه القرحة بوجهه، الأكلة، فما زالت تأكله حتى مات، رواه ابن أبي حاتم، وقد أوردناه من وجه آخر عند قوله : فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81].
الشيخ: شف التقريب، شف بعجة بن عبدالله الجهني، ومعمر، وفي صحة الأثر هذا نظر.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا فروة بن أبي المغراء، حدثنا علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع، واحد وعشرين شهرا، وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة، وعشرون شهرًا، وإذا وضعته لستة أشهر، فحولين كاملين؛ لأن الله تعالى يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ أي: قوي، وشب، وارتجل.
الشيخ: ظاهر القرآن خلاف ذلك، قال جل وعلا: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] مطلقًا، سواء ولد لستة، أو لسبعة، أو لتسعة، فلها أن ترضعه حولين كاملين، إلا إذا أرادا فصالاً، إذا أراد الزوج والزوجة الفطام قبل لك وتشاوروا فلا بأس، فليفطما في سنة، أو سنة ونصف، أو أقل، أو أكثر، إذا رأيا المصلحة في ذلك، وفي صحة هذا الأثر نظر عن ابن عباس.
الطالب: قال التقريب: بعجة بن عبدالله بن بدر الجهني ثقة من الثالثة، مات على رأس المائة. (خ م قد ت س ق).
الشيخ: شف معمر بن عبدالله الجهني؟
معمر بن عبدالله بن نافع ابن نضلة العدوي، صحابي.
الشيخ: بس؟
الطالب: نعم.
الشيخ: صلحها بعجة.
س: هذا يقول: خرجت فيه قرحة؟
الشيخ: يعني عقوبة له لما رماها بالزنا، نسأل الله العافية.
س: صح الأثر عندكم هكذا؟ 
الشيخ: ظاهر السياق ما فيه إلا ابن إسحاق بس، وابن إسحاق محتمل أنه يكون سمعه من يزيد أو ما سمعه من يزيد، النفس تخشى من التدليس، وقد يخفى على عثمان ؛ لأنه استنباطه له أهمية، قد يكون .......، وأكثر عليه الزوج في رميها، واتهامها.
س: .........
س: عثمان أمر برجم المرأة بدون دليل ثابت؟
الشيخ: وإن صح فهو لهذا، الزوج أكثر عليه، وقد ثبت عنده أن المرأة إذا وضعت لستة أشهر، فاعتقد أن هذا لا يقع الغالب تسعة أشهر، هذا إن صح الأثر، ابن إسحاق رواياته فيها نظر؛ لأنه قد يدلس، وجاءت من طرق أخرى، وإلا ففيها نظر، أو يخفى على عثمان ، وعلى كل حال إن صح فهو لا بدّ أن هناك شبهًا قامت لعثمان حتى صدق زوجها، واستقر عنده أن كونها تلد لستة أشهر أن هذا دليل على أنها زانية؛ لأن الصواب أنه يقام الحد بالحمل، حمل الزنا، إذا حملت من الزنا يقام الحد بذلك، ما لم تدعي شبهة الإكراه، ونحوه.
س: لو القاضي حكم بحكم خطأ ثم تبين له خطأه فهل يكون عليه دية في هذه الحالة؟
الشيخ: الظاهر إذا أخطأ بالحكم.
س: الرضاعة أكثر من عامين، ما الحكم؟
الشيخ: إذا دعت الحاجة إلى الرضاعة لا بأس، إذا دعت الحاجة يكون ما يأكل، إذا دعت الحاجة إلى إرضاعه زيادة فلا بأس؛ لأن هذا هو الواجب، الواجب إرضاعه حولين، أما الزيادة عند الحاجة لا بأس بها.
س: اعتياض المرأة بالحليب الصناعي مع قدرتها على إرضاعه؟
الشيخ: إذا تراضت مع زوجها لا بأس، لأن الله قال: فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [البقرة:233] الفصال: الفطام يعني.
س: وإن ثبت فيه صحيًا أن فيه ضرر على الطفل؟
الشيخ: إذا تراضى عليه الوالدان فهما أعلم بذلك.
وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً أي: تناهى عقله، وكمل فهمه، وحلمه. ويقال: إنه لا يتغير غالبًا عما يكون عليه ابن الأربعين، قال أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن القاسم بن عبدالرحمن قال: قلت لمسروق: متى يؤخذ الرجل بذنوبه؟ قال: إذا بلغت الأربعين فخذ حذرك.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا عبيد الله القواريري، حدثنا عروة بن قيس الأزدي، وكان قد بلغ مائة سنة.
الطالب: عزرة بن قيس الأزدي قال: ضعيف، ضعفه ابن معين، فقال معاوية بن صالح، عن ابن معين: عزرة بن قيس اليحمدي، أزدى بصري ضعيف. وقال البخاري: لا يتابع على حديثه. [ميزان الاعتدال].
الشيخ: شف التقريب ذكره.
الطالب: في التقريب غير موجود، بارك الله فيك.
الشيخ: حط نسخة عزرة بن قيس الأزدي.
حدثنا أبو الحسن الكوفي عمر بن أوس قال: قال محمد بن عمرو بن عثمان، عن عثمان ، عن النبي ﷺ قال: العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف الله تعالى حسابه، وإذا بلغ الستين سنة رزقه الله تعالى الإنابة إليه، وإذا بلغ سبعين سنة أحبه أهل السماء، وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله تعالى حسناته، ومحا سيئاته، وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، وشفعه الله تعالى في أهل بيته، وكتب في السماء أسير الله في أرضه، وقد روي هذا من غير هذا الوجه.
الشيخ: وهو بهذا السند ضعيف، ومتنه منكر، فالمسلم يجب الحذر كلما طال عمره، يجب عليه الحذر، والاستقامة، والثبات، وأن لا يتساهل في أمر الله ؛ لأن الأجل قد قرب، وإن كان يرجى له مع الاستقامة على طاعة التثبيت، فإنه كلما زادت سنواته وهو يستقيم على طاعة الله يرجى له بذلك الخير العظيم، ومضاعفة حسناته، لكن يجب الحذر، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].
الطالب: في بعض النسخ أبو الحسن السلولي.
طالب آخر: بعض النسخ عبدالله الحليمي بدل الحكمي.
وهو في مسند الإمام أحمد، وقد قال الحجاج بن عبدالله الحكمي أحد أمراء بني أمية بدمشق، تركت المعاصي والذنوب أربعين سنة حياء من الناس، ثم تركتها حياء من الله ، وما أحسن قول الشاعر:
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه فلما علاه قال للباطل: ابعد!