03 من قوله: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ....)

وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ۝ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ۝ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الأحقاف:29-32].
قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، سمعت عكرمة عن الزبير، وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ قال: بنخلة، ورسول الله ﷺ يصلي العشاء الآخرة، كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قال سفيان: ألبد بعضه على بعض، كاللبد بعضه على بعض، تفرد به أحمد، وسيأتي من رواية ابن جرير عن عكرمة، عن ابن عباس أنهم سبعة من جن نصيبين.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة (ح)، وقال الإمام الشهير الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه دلائل النبوة: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا إسماعيل القاضي، أخبرنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما قرأ رسول الله ﷺ على الجن، ولا رآهم، انطلق رسول الله ﷺ في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين، وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم، فقالوا: حيل بيننا، وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. قالوا: ما حال بينكم، وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، وانظروا ما هذا الذي حال بينكم، وبين خبر السماء، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها؛ يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء.
فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله ﷺ، وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم قالوا يا قومنا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ۝ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن:1، 2]، وأنزل الله على نبيه ﷺ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [الجن:1]، وإنما أوحي إليه قول الجن. رواه البخاري عن مسدد بنحوه، وأخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن أبي عوانة به، ورواه الترمذي، والنسائي في التفسير من حديث أبي عوانة.
الشيخ: ومراد ابن عباس أن الرسول لم يخاطبهم، ولم يعلم بهم، وإنما أخبره الله عن حضورهم، واستماعهم، وما جرى منهم في سورة الجن، وفي سورة الأحقاف كما تقدم، وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ [الأحقاف:29]، وقد سمعوا منه، وقد جاؤوا إليه كما يأتي إن شاء الله، حضروا عنده، ولم يعلم بهم، وجاء داعيهم إليه، ودعاهم، فهذا وقع، وهذا وقع، هذا كله وقع.
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدثنا أبو أحمد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الجن يستمعون الوحي فيسمعون الكلمة فيزيدون فيها عشرا، فيكون ما سمعوا حقا، وما زادوا باطلا، وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك، فلما بعث رسول الله ﷺ كان أحدهم لا يأتي مقعده إلا رمي بشهاب يحرق ما أصاب، فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث، فبث جنوده، فإذا بالنبي ﷺ يصلي بين جبلي نخلة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض. ورواه الترمذي، والنسائي في كتابي التفسير من سننيهما من حديث إسرائيل به، وقال الترمذي: حسن صحيح، وهكذا رواه أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا رواه العوفي، عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا بمثل هذا السياق بطوله، وهكذا قال الحسن البصري: إنه ما شعر بأمرهم، حتى أنزل الله تعالى عليه بخبرهم.
وذكر محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان، عن محمد بن كعب القرظي قصة خروج النبي ﷺ إلى الطائف، ودعائه إياهم إلى الله ، وإبائهم عليه، فذكر القصة بطولها، وأورد ذلك الدعاء الحسن: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين، وأنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى عدو بعيد يتجهمني، أم إلى صديق قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحل بي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.
قال: فلما انصرف عنهم بات بنخلة فقرأ تلك الليلة من القرآن فاستمعه الجن من أهل نصيبين، وهذا صحيح، ولكن قوله: إن الجن كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر، فإن الجن كان استماعهم في ابتداء الإيحاء كما دل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور، وخروجه ﷺ إلى الطائف كان بعد موت عمه، وذلك قبل الهجرة بسنة، أو سنتين كما قرره ابن إسحاق، وغيره، والله أعلم.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زر عن عبدالله بن مسعود قال: هبطوا على النبي ﷺ، وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوه قالوا: أنصتوا، قال: صه، وكانوا تسعة، وأحدهم زوبعة، فأنزل الله : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ إلى ضَلَالٍ مُبِينٍ فهذا مع الأول من رواية ابن عباس رضي الله عنهما يقتضي أن رسول الله ﷺ لم يشعر بحضورهم في هذه المرة، وإنما استمعوا قراءته، ثم رجعوا إلى قومهم، ثم بعد ذلك، وفدوا إليه أرسالًا: قومًا بعد قوم، وفوجًا بعد فوج، كما ستأتي بذلك الأخبار في موضعها، والآثار مما سنوردها هاهنا إن شاء الله تعالى، وبه الثقة.
فأما ما رواه البخاري، ومسلم، جميعًا عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي، عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن مسعر بن كدام، عن معن بن عبدالرحمن، قال: سمعت أبي يقول: سألت مسروقًا من آذن النبي ﷺ ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك -يعني ابن مسعود - أنه آذنته بهم شجرة، فيحتمل أن يكون هذا في المرة الأولى، ويكون إثباتًا مقدمًا على نفي ابن عباس رضي الله عنهما، ويحتمل أن يكون في الأولى، ولكن لم يشعر بهم حال استماعهم حتى آذنته بهم الشجرة، أي: أعلمته باجتماعهم، والله أعلم. ويحتمل أن يكون هذا في بعض المرات المتأخرات، والله أعلم.
قال الحافظ البيهقي: وهذا الذي حكاه ابن عباس رضي الله عنهما إنما هو أول ما سمعت الجن قراءة رسول الله ﷺ، وعلمت حاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم، ولم يرهم، ثم بعد ذلك أتاه داعي الجن فقرأ عليهم القرآن، ودعاهم إلى الله ، كما رواه عبدالله بن مسعود .
س: كيف سألوا إبليس، وهم جن من المسلمين، لما سألوا إبليس ما هذا الأمر الذي حدث فأرسل جنوده؟
الشيخ: أيش المانع؟ إذا هداهم الله، وأسلموا، ولم يتأخروا مثلما يخبر المسلمون سلاطينهم الكفرة.
س: الجن أرسل إليهم أنبياء؟
الشيخ: المعروف أنهم نذر، وقال بعضهم: أرسل إليهم رسل، كما قال الظاهرية، كما قال الله: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ [الأنعام:130]، وقال بعضهم: الرسل من الإنس، والجن جاءهم نذر من الرسل، والقول بأنه جاءهم رسول منهم قول قوي كما قال الظاهرية، وجماعة؛ لأن الآية عامة يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يعم الجن، والإنس.
س: .......
الشيخ: في سنده ضعف.
قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا داود، عن الشعبي، وابن أبي زائدة، أخبرنا داود، عن الشعبي، عن علقمة قال: قلت لعبدالله بن مسعود : هل صحب رسول الله ﷺ ليلة الجن منكم أحد؟ فقال: ما صحبه منا أحد، ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة، فقلنا: اغتيل؟ استطير؟ ما فعل؟ قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما كان في وجه الصبح، أو قال: في السحر، إذا نحن به يجيء من قبل حراء، فقلنا: يا رسول الله، فذكروا له الذي كانوا فيه، فقال: إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم قال: فانطلق فأرانا آثارهم، وآثار نيرانهم. فقال: قال الشعبي: سألوه الزاد، قال عامر: سألوه بمكة، وكانوا من جن الجزيرة. فقال: كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة، أو روثة علف لدوابكم. قال: فلا تستنجوا بها، فإنهما زاد إخوانكم من الجن، وهكذا رواه مسلم في صحيحه عن علي بن حجر عن إسماعيل ابن علية به نحوه.
وقال مسلم أيضا: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبدالأعلى، حدثنا داود، وهو ابن أبي هند عن عامر قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله ﷺ ليلة الجن؟ قال: فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله ﷺ ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله ﷺ ذات ليلة ففقدناه، فالتمسناه في الأودية، والشعاب، فقيل: استطير؟ اغتيل؟ قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء، قال: فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن. قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم، وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة، أو روثة علف لدوابكم قال رسول الله ﷺ: فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم.
[طريق أخرى] عن ابن مسعود . قال أبو جعفر بن جرير: حدثني أحمد بن عبدالرحمن، حدثني عمي، حدثني يونس، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبدالله قال: إن عبدالله بن مسعود قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: بت الليلة أقرأ على الجن، واقفا بالحجون.
[طريق أخرى] فيها أنه كان معه ليلة الجن. قال ابن جرير رحمه الله: حدثني أحمد بن عبدالرحمن بن وهب، حدثنا عمي عبدالله بن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي عثمان بن شبة الخزاعي.
الطالب: عندنا ابن سنة.
الشيخ: شف التقريب.
الطالب: في الخلاصة أبو عثمان بن سنة بفتح المهملة، والنون الخزاعي الدمشقي، عن علي، وعن الزهري.
الشيخ: شف التقريب.
الطالب: أبو عثمان ابن سنة بفتح المهملة، وتشديد النون الخزاعي.
الشيخ: صلحها سنة، أيش قال بعدها؟
الطالب: الخزاعي الدمشقي مقبول من الثانية، ووهم من زعم أن له صحبة، فإن حديثه مرسل. (س ق).
الشيخ: نعم.
وكان من أهل الشام قال: إن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ لأصحابه، وهو بمكة: من أحب منكم أن يحضر أمر الجن الليلة فليفعل فلم يحضر منهم أحد غيري، قال: فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطًا، ثم أمرني أن أجلس فيه، ثم انطلق حتى قام، فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه، حتى ما أسمع صوته، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب، ذاهبين حتى بقي منهم رهط، ففرغ رسول الله مع الفجر فانطلق فتبرز، ثم أتاني فقال: ما فعل الرهط؟ قلت: هم أولئك يا رسول الله، فأعطاهم عظمًا، وروثًا زادًا، ثم نهى أن يستطيب أحد بروث، أو عظم. ورواه ابن جرير، عن محمد بن عبدالله بن عبدالحكم، عن أبي زرعة وهب بن راشد، عن يونس بن يزيد الأيلي به.
ورواه البيهقي في الدلائل من حديث عبدالله بن صالح كاتب الليث، عن يونس به، وقد روى إسحاق بن راهويه، عن جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن مسعود ، فذكر نحو ما تقدم. ورواه الحافظ أبو نعيم من طريق موسى بن عبيدة، عن سعيد بن الحارث، عن أبي المعلى، عن ابن مسعود ، فذكر نحوه أيضًا.
الشيخ: المحفوظ أنه ما حضره ابن مسعود وهذه الطرق ضعيفة كلها، الأحاديث الصحيحة أنه لم يحضرهم لا هو ولا الصحابة ، وفي هذا أنه ﷺ ذهب إليهم، وأجاب دعوتهم، وفيه سورة الأحقاف أنهم صرفوا إليه، وسمعوا قراءة القرآن، فهذا واقع، وهذا واقع؛ لأن الله بعثه إلى الجميع إلى الجن والإنس، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، فبعثه الله إلى الجميع، فسمعوا القرآن، وأسمعهم القرآن، وبلغهم الدعوة عليه الصلاة والسلام.
س: قول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الجن يتزاوجون من الإنس؟
الشيخ: هذا ليس بجيد.