05 من قوله: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ..) (2)

وقد روي ابن عباس غير ما روي عنه أولًا من وجه جيد، وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا عبدالحميد الحماني، حدثنا النضر بن عربي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ الآية. قال: كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين، فجعلهم رسول الله رسلًا إلى قومهم. فهذا يدل على أنه قد روى القصتين.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا سويد بن عبدالعزيز، حدثنا رجل سماه، عن ابن جريج، عن مجاهد، وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن الآية، قال: كانوا سبعة نفر: ثلاثة من أهل حران، وأربعة من أهل نصيبين، وكانت أسماؤهم حسى، وحسي، ومنسى وصاصر وناضر، والأردوبيان، والأحتم، وذكر أبو حمزة الثمالي أن هذا الحي من الجن كان يقال له: بنو الشيصبان، وكانوا أكثر الجن عددًا، وأشرفهم نسبًا، وهم كانوا عامة جنود إبليس.
وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن ابن مسعود :
الشيخ: زر صاحب ابن مسعود، زر بن حبيش هذا أحد أصحاب ابن مسعود
كانوا تسعة أحدهم زوبعة، أتوه من أصل نخلة، وتقدم عنهم أنهم كانوا خمسة عشر، وفي رواية أنهم كانوا على ستين راحلة، وتقدم عنه أن اسم سيدهم: وردان، وقيل: كانوا ثلاثمائة، وتقدم عن عكرمة أنهم كانوا اثني عشر ألفًا، فلعل هذا الاختلاف دليل على تكرر وفادتهم عليه ﷺ.
ومما يدل على ذلك ما قاله البخاري في صحيحه: حدثنا يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب، حدثني عمر هو ابن محمد قال: إن سالمًا حدثه، عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: ما سمعت عمر يقول لشيء قط إني لأظنه هكذا إلا كان كما يظن، بينما عمر بن الخطاب جالس إذ مر به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظني، أو أن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، علي بالرجل، فدعي له، فقال له ذلك فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم، قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني قال: كنت كاهنهم في الجاهلية، قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك، قال: بينما أنا يومًا في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع فقالت:
ألم تر الجن، وإبلاسها ويأسها من بعد إنكاسها
ولحوقها بالقلاص، وأحلاسها
قال عمر : صدق بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله، قال: فوثب القوم، فقلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله، فقمت فما نشبنا أن قيل هذا نبي. هذا سياق البخاري، وقد رواه البيهقي من حديث ابن وهب بنحوه، ثم قال: وظاهر هذه الرواية يوهم أن عمر بنفسه سمع الصارخ يصرخ من العجل الذي ذبح، وكذلك هو صريح في رواية ضعيفة عن عمر ، وسائر الروايات تدل على أن هذا الكاهن هو الذي أخبر بذلك عن رؤيته، وسماعه، والله أعلم، وهذا الذي قاله البيهقي هو المتجه، وهذا الرجل هو سواد بن قارب، وقد ذكرت هذا مستقصى في سيرة عمر ، فمن أراده فليأخذه من ثم، ولله الحمد والمنة.
وقال البيهقي: حديث سواد بن قارب، ويشبه أن يكون هذا هو الكاهن الذي لم يذكر اسمه في الحديث الصحيح، أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر من أصل سماعه، أخبرنا أبو عبدالله محمد بن عبدالله الصفار الأصبهاني قراءة عليه، حدثنا أبو جعفر أحمد بن موسى الحمار الكوفي بالكوفة، حدثنا زياد بن يزيد بن بادويه، حدثنا أبو بكر القصري، حدثنا محمد بن النواس الكوفي، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس على منبر رسول الله ﷺ قال: أيها الناس أفيكم سواد بن قارب؟ قال: فلم يجبه أحد تلك السنة. فلما كانت السنة المقبلة قال: أيها الناس أفيكم سواد بن قارب؟ قال: فقلت يا أمير المؤمنين، وما سواد بن قارب؟ قال فقال له عمر : إن سواد بن قارب كان بدء إسلامه شيئًا عجيبًا، قال: فبينما نحن كذلك إذ طلع سواد بن قارب قال: فقال له عمر : يا سواد، حدثنا ببدء إسلامك كيف كان؟ قال سواد : فإني كنت نازلًا بالهند، وكان لي رئي من الجن، قال فبينما أنا ذات ليلة نائم إذا جاءني في منامي ذلك، قال: قم فافهم، واعقل إن كنت تعقل، قد بعث رسول من لؤي بن غالب ثم أنشأ يقول:
عجبت للجن، وتحساسها وشدها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ما خير الجن كأنحاسها
فانهض إلى الصفوة من هاشم واسم بعينيك إلى راسها
قال: ثم أنبهني فأفزعني، وقال: يا سواد بن قارب، إن الله بعث نبيًا فانهض إليه تهتد، وترشد، فلما كان من الليلة الثانية أتاني فأنبهني ثم أنشأ يقول:
عجبت للجن، وتطلابها وشدها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ليس قدماها كأذنابها
فانهض إلى الصفوة من هاشم واسم بعينيك إلى قابها
فلما كان في الليلة الثالثة أتاني فأنبهني ثم قال:
عجبت للجن، وتخبارها وشدها العيس بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ليس ذوو الشر كأخيارها
فانهض إلى الصفوة من هاشم ما مؤمنو الجن ككفارها
قال: فلما سمعته تكرر ليلة بعد ليلة، وقع في قلبي حب الإسلام من أمر رسول الله ﷺ ما شاء الله، قال: فانطلقت إلى رحلي فشددته على راحلتي، فما حللت تسعة، ولا عقدت أخرى حتى أتيت رسول الله ﷺ فإذا هو بالمدينة يعني مكة، والناس عليه كعرف الفرس، فلما رآني النبي ﷺ قال: مرحبًا بك يا سواد بن قارب قد علمنا ما جاء بك قال: قلت يا رسول الله قد قلت شعرًا فاسمعه مني قال ﷺ: قل يا سواد فقلت:
أتاني رئي بعد ليل، وهجعة ولم يك فيما قد بلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة أتاك رسول من لؤي بن غالب
فشمرت عن ساقي الإزار، ووسطت بي الدعلب الوجناء بين السباسب
فأشهد أن الله لا رب غيره وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين، وسيلة إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل وإن كان فيما جاء شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة سواك بمغن عن سواد بن قارب
قال: فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه، وقال لي: أفلحت يا سواد، فقال له عمر : هل يأتيك رئيك الآن؟ فقال: منذ قرأت القرآن لم يأتني، ونعم العوض كتاب الله من الجن. ثم أسنده البيهقي من وجهين آخرين.
ومما يدل على وفادتهم إليه ﷺ بعد ما هاجر إلى المدينة الحديث الذي رواه الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن عبدة المصيصي، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن أسلم أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني من حدثه عمرو بن غيلان الثقفي قال: أتيت عبدالله بن مسعود فقلت له: حدثت أنك كنت مع رسول الله ﷺ ليلة وفد الجن. قال: أجل، قلت: حدثني كيف كان شأنه! فقال: إن أهل الصفة أخذ كل رجل منهم رجل يعشيه، وتركت فلم يأخذني أحد منهم، فمر بي رسول الله ﷺ فقال: من هذا؟ فقلت: أنا ابن مسعود، فقال ﷺ: ما أخذك أحد يعشيك؟ فقلت: لا، قال ﷺ: فانطلق لعلي أجد لك شيئًا.
قال: فانطلقنا حتى آتي رسول الله ﷺ حجرة أم سلمة رضي الله عنها، فتركني قائمًا، ودخل إلى أهله ثم خرجت الجارية فقالت: يا ابن مسعود، إن رسول الله ﷺ لم يجد لك عشاء فارجع إلى مضجعك، قال: فرجعت إلى المسجد فجمعت حصباء المسجد فتوسدته، والتففت بثوبي، فلم ألبث إلا قليلا حتى جاءت الجارية فقالت: أجب رسول الله. فاتبعتها، وأنا أرجو العشاء حتى إذا بلغت مقامي خرج رسول الله ﷺ، وفي يده عسيب من نخل فعرض به على صدري فقال ﷺ: انطلق أنت معي حيث انطلقت قلت: ما شاء الله فأعادها علي ثلاث مرات. كل ذلك أقول ما شاء الله فانطلق، وانطلقت معه حتى أتينا بقيع الغرقد فخط ﷺ بعصاه خطًا، ثم قال: اجلس فيها، ولا تبرح حتى آتيك ثم انطلق يمشي، وأنا أنظر إليه خلال النخل، حتى إذا كان من حيث لا أراه ثارت قبله العجاجة السوداء ففرقت فقلت: ألحق برسول الله ﷺ فإني أظن أن هوازن مكروا برسول الله ﷺ ليقتلوه، فأسعى إلى البيوت فأستغيث الناس، فذكرت أن رسول الله ﷺ أوصاني أن لا أبرح مكاني الذي أنا فيه، فسمعت رسول الله ﷺ يقرعهم بعصاه، ويقول: اجلسوا، فجلسوا حتى كاد ينشق عمود الصبح، ثم ثاروا، وذهبوا، فأتاني رسول الله فقال: أنمت بعدي؟ فقلت: لا، ولقد فزعت الفزعة الأولى حتى رأيت أن آتي البيوت، فأستغيث الناس، حتى سمعتك تقرعهم بعصاك، وكنت أظنها هوازن مكروا برسول الله ﷺ ليقتلوه، فقال لو أنك خرجت من هذه الحلقة ما آمنت عليك أن يتخطفك بعضهم، فهل رأيت من شيء منهم؟.
فقلت: رأيت رجالًا سودًا مستذفرين بثياب بيض، فقال رسول الله ﷺ: أولئك وفد جن نصيبين أتوني فسألوني الزاد والمتاع، فمتعتهم بكل عظم حائل، أو روثة، أو بعرة قلت: فما يغني عنهم ذلك؟ قال ﷺ: إنهم لا يجدون عظمًا إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أكل، ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها الذي كان فيها يوم أكلت، فلا يستنقي أحد منكم بعظم، ولا بعرة، وهذا إسناد غريب جدًا، ولكن فيه رجل مبهم لم يسم، والله تعالى أعلم.
الشيخ: على كل حال هذه الأخبار فيها من الضعف ما فيها، ورود الجن أمر معروف وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ بنص القرآن، قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [الجن:1]، نص القرآن فهم قدموا، وقد بلغوا حتى ولو ما قدموا، قد بلغوا القرآن بلاغ لهم، وبلاغ لغيرهم، وبلاغ لجميع أهل الأرض من جن وإنس حضروا، أو لم يحضروا، بلاغ لهم إلى يوم القيامة، كما هو بلاغ لنا، وبلاغ لمن يأتي بعدنا، وهذه الأخبار فيها من الضعف والجهالة ما فيها، لكن المقصود من هذا كله أن الله جل وعلا بلغ الجن لما بعث فيهم نبيه ﷺ، وأنه اتصل ببعضهم وسمعوا منه، وقامت عليهم الحجة، ومن لم يحضر فقد قامت عليه الحجة في بلاغه، وإيصاله إليه في أي مكان في مشارق الأرض ومغاربها، فالقرآن حجة الله على عباده في كل مكان، وفي كل زمان، والله المستعان.
وقد روى الحافظ أبو نعيم من حديث بقية بن الوليد: حدثني نمير بن زيد القنبر، حدثنا أبي، حدثنا قحافة بن ربيعة، حدثني الزبير بن العوام قال: صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الصبح في مسجد المدينة، فلما انصرف قال: أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة؟ فأسكت القوم ثلاثًا، فمر بي، فأخذ بيدي، فجعلت أمشي معه حتى حبست عنا جبال المدينة كلها، وأفضينا إلى أرض براز، فإذا برجال طوال كأنهم الرماح مستثفرين بثيابهم من بين أرجلهم، فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة، ثم ذكر نحو حديث ابن مسعود المتقدم، وهذا حديث غريب، والله أعلم.
ومما يتعلق بوفود الجن ما رواه الحافظ أبو نعيم: حدثنا أبو محمد بن حبان.
الشيخ: حط في نسخة حيان
.........
حدثنا أبو الطيب أحمد بن روح، حدثنا يعقوب الدورقي، حدثنا الوليد بن بكير التيمي، حدثنا حصين بن عمر، أخبرني عبيد المكتب عن إبراهيم قال: خرج نفر من أصحاب عبدالله يريدون الحج، حتى إذا كانوا في بعض الطريق إذا هم بحية تنثني على الطريق، أبيض ينفح منه ريح المسك، فقلت لأصحابي: امضوا فلست ببارح حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمر هذه الحية. قال: فما لبثت أن ماتت فعمدت إلى خرقة بيضاء فلففتها فيها، ثم نحيتها عن الطريق فدفنتها، وأدركت أصحابي في المتعشى.
قال: فوالله إنا لقعود إذ أقبل أربع نسوة من قبل المغرب فقالت، واحدة منهن: أيكم دفن عمرًا. قلنا: ومن عمرو، قالت: أيكم دفن الحية؟ قال فقلت: أنا. قالت: أما والله لقد دفنت صواما قواما، يأمر بما أنزل الله تعالى، ولقد آمن بنبيكم، وسمع صفته من السماء قبل أن يبعث بأربعمائة عام.
قال الرجل: فحمدنا الله تعالى، ثم قضينا حجتنا، ثم مررت بعمر بن الخطاب بالمدينة، فأنبأته بأمر الحية، فقال: صدقت سمعت رسول الله ﷺ يقول: لقد آمن بي قبل أن أبعث بأربعمائة سنة، وهذا حديث غريب جدا، والله أعلم.
قال أبو نعيم: وقد روى الثوري عن أبي إسحاق، عن الشعبي، عن رجل من ثقيف بنحوه، وروى عبدالله بن أحمد، والظهراني أن صفوان بن المعطل هو الذي نزل، ودفن تلك الحية من بين الصحابة، وأنهم قالوا: إنه آخر التسعة موتًا الذين أتوا رسول الله ﷺ يستمعون القرآن. وروى أبو نعيم من حديث الليث بن سعد، عن عبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عمه، عن معاذ بن عبيد الله بن معمر قال: كنت جالسًا عند عثمان بن عفان ، فجاء رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني كنت بفلاة من الأرض، فذكر أنه رأى ثعبانين اقتتلا ثم قتل أحدهما الآخر، قال: فذهبت إلى المعترك فوجدت حيات كثيرة مقتولة، وإذ ينفح من بعضها ريح المسك، فجعلت أشمها واحدة، واحدة، حتى وجدت ذلك من حية صفراء رقيقة، فلففتها في عمامتي، ودفنتها، فبينا أنا أمشي إذ ناداني مناد: يا عبدالله لقد هديت، هذان حيان من الجن بنو شعيبان وبنو قيس، التقوا فكان من القتلى ما رأيت، واستشهد الذي دفنته، وكان من الذين سمعوا الوحي من رسول الله ﷺ قال: فقال عثمان لذلك الرجل: إن كنت صادقًا فقد رأيت عجبًا، وإن كنت كاذبًا فعليك كذبك.
وقوله تبارك وتعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ أي: طائفة من الجن يستمعون القرآن، فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا أي: استمعوا، وهذا أدب منهم.
وقد قال الحافظ البيهقي: حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان، أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبدالله الدقاق، حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي، حدثنا هشام بن عمار الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قرأ رسول الله ﷺ سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال: ما لي أراكم سكوتًا؟ للجن كانوا أحسن منكم ردًا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] إلا قالوا: ولا بشيء من آلائك أو نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد».
ورواه الترمذي في التفسير، عن أبي مسلم عبدالرحمن بن واقد، عن الوليد بن مسلم به قال: خرج رسول الله ﷺ على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن، فذكره، ثم قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد عن زهير كذا قال. وقد رواه البيهقي من حديث مروان بن محمد الطاطري عن زهير بن محمد به مثله.
وقوله : فَلَمَّا قُضِيَ أي: فرغ كقوله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ [الجمعة:10]، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت:12]، فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ [البقرة:200]، وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ أي: رجعوا إلى قومهم فأنذروهم ما سمعوه من رسول الله ﷺ، كقوله جل وعلا: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122]، وقد استدل بهذه الآية على أنه في الجن نذر، وليس فيهم رسل، ولا شك أن الجن لم يبعث الله تعالى منهم رسولًا لقوله تعالى:  وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف:109]، وقال : وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ [الفرقان:20]، وقال عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [العنكبوت:27]، فكل نبي بعثه الله تعالى بعد إبراهيم فمن ذريته، وسلالته.
فأما قوله تبارك وتعالى في الأنعام: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [الأنعام:130] فالمراد هنا مجموع الجنسين، فيصدق على أحدهما، وهو الإنس، كقوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22] أي: أحدهما.
الشيخ: وهذا فيه نظر، فإن الذي يخرج منه اللؤلؤ والمرجان يوجد في البحرين جميعًا المالح والحلو، والآية ظاهرها العموم، وأنه وجد فيهم رسل كما قال ابن حزم، وجماعة، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ [يوسف:109] الجن فيهم رجال أيضًا كما قال تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ [الجن:6]، فالجمهور على أن الرسل كلهم من الإنس، والجن جاءتهم النذر تحمل لهم النذارة مما جاءت به الرسل من الإنس، وهكذا من جهة محمد عليه الصلاة والسلام بعثه الله إلى الجميع الجن والإنس، فالنذر الذين ينقلون العلوم هم نذر للجميع للإنس والجن، من نقل العلم من جهة إلى جهة، أو من قبيلة إلى قبيلة، أو من بلد إلى بلد فهو نذير.
س: يقول: في الجن رسل؟
الشيخ: محتمل ظاهر آية الأنعام فيهم، لكن والله أعلم لعله قبل ذرية إبراهيم، قبل بعث ذرية إبراهيم في أولهم؛ لأن الله قال: وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [العنكبوت:27]، ويحتمل أن المراد العموم يعني أكثر من ذريته، وأن الجن حصل لهم رسل منهم، وبكل حال فالحجة قائمة عليهم، سواء منهم أو من الرسل من الإنس، الحجة قائمة عليهم.
س: الحديث السابق أحسن الله إليك: ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب، صحيح؟
الشيخ: يحتاج إلى تأمل، ما أعرف حال سنده، يحتاج إلى دراسة.