06 من قوله: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ..)

ثم إنه تعالى فسر إنذار الجن لقومهم فقال مخبرًا عنهم: قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى، ولم يذكروا عيسى؛ لأن عيسى أنزل عليه الإنجيل فيه مواعظ، وترقيقات، وقليل من التحليل والتحريم، وهو في الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة، فالعمدة هو التوراة، فلهذا قالوا: أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى، وهكذا قال ورقة بن نوفل حين أخبره النبي ﷺ بقصة نزول جبريل عليه الصلاة والسلام أول مرة فقال: بخ بخ! هذا الناموس الذي كان يأتي موسى، يا ليتني أكون فيه جذعا.
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ أي: من الكتب المنزلة على الأنبياء قبله، وقوله: يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أي: في الاعتقاد، والإخبار، وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ في الأعمال، فإن القرآن مشتمل على شيئين خبر، وطلب، فخبره صدق، وطلبه عدل، كما قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا [الأنعام:115].
وقال : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ [التوبة:33]، فالهدى هو العلم النافع، وَدِينِ الْحَقِّ هو العمل الصالح، وهكذا قالت الجن: يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ في الاعتقادات، وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ أي: في العمليات.
الشيخ: وهذا هو شأن القرآن والسنة، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى [التوبة:33] العلم النافع، والتوجيهات، والأخبار الصادقة، ودين الحق: الشرائع القيمة العادلة التي وضحها لعباده، وهكذا قول الجن: يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، يهدي إلى الحق في العقيدة، والإيمان بالله وتوحيده، وإلى طريق مستقيم يسير عليه الناس في الشرائع، والله المستعان.
يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ [الحاقة:31]، فيه دلالة على أنه تعالى أرسل محمدًا ﷺ إلى الثقلين الجن والإنس، حيث دعاهم إلى الله تعالى، وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين، وتكليفهم، ووعدهم، ووعيدهم، وهي سورة الرحمن، ولهذا قال: أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ، وقوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ قيل: إن من هاهنا زائدة، وفيه نظر؛ لأن زيادتها في الإثبات قليل، وقيل: إنها على بابها للتبعيض، وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ أي: ويقيكم من عذابه الأليم، وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين لا يدخلون الجنة، وإنما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار يوم القيامة، ولهذا قالوا هذا في هذا المقام، وهو مقام تبجح ومبالغة، فلو كان لهم جزاء على الإيمان أعلى من هذه لأوشك أن يذكروه.
الشيخ: وهذا غلط، هذا غلط، فإن من أجير من العذاب وغفر الله له دخل الجنة، يَغْفِرْ لَكُمْ يعني: يجركم من الذنوب، ويجرهم من عذاب أليم، ومن وقاه الله شر الذنوب وشر العذاب دخل الجنة، ولهذا في نفس السورة التي خاطب بها الجن والإنس وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] أي: من الجن والإنس في نفس السورة وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، فالوعد للجميع الجن والإنس من عصى وكفر له النار، ومن أطاع له الجنة، من الجن والإنس، والله المستعان.
 س: .......
الشيخ: كذلك هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60]، وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ [الرحمن:62] كلها خطاب للجن والإنس، صريحة، سورة الرحمن مع العمومات التي في الآيات الأخرى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ [لقمان:8] من الجن والإنس، الجن والإنس كلهم لهم الجنة، ولهم النار.
س: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ [نوح:4]، ما معنى من؟
الشيخ: يعني المراد به الجنس، يعني جنس الذنوب؛ لأن المغفرة تشمل الستر وغيره، من تاب تاب الله عليه، أو المعنى يغفر مضمن معنى يعافيكم، أو ينقذكم؛ لأن التوبة إلى الله واتباع الشرع من أسباب المغفرة للذنوب كلها، فهي مضمن يغفر لكم من ذنوبكم معنى يعني يعافيكم منها من ذنوبكم، أو يحفظكم منها، أو ما أشبه ذلك، فالمغفرة للذنوب كلها الشرك وما دونه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثت عن جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يدخل مؤمنو الجن الجنة؛ لأنهم من ذرية إبليس، ولا تدخل ذرية إبليس الجنة.
الشيخ: وهذا باطل، والحديث ضعيف، قوله: حدثت يعني مجهول، ولا يصح مثله ابن عباس، ابن عباس أجل، وأعلم من هذا المقام.
والحق أن مؤمنيهم كمؤمني الإنس يدخلون الجنة كما هو مذهب جماعة من السلف.
الشيخ: وهذا هو الحق مثلما قال المؤلف.
وقد استدل بعضهم لهذا بقوله : لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ [الرحمن:56]، وفي هذا الاستدلال نظر، وأحسن منه قوله جل وعلا: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ۝ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:46-47]، فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة، وقد قابلت الجن هذه الآية بالشكر القولي أبلغ من الإنس، فقالوا: ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب، فلك الحمد، فلم يكن تعالى ليمتن عليهم بجزاء لا يحصل لهم، وأيضًا فإنه إذا كان يجازي كافرهم بالنار وهو مقام عدل؛ فلأن يجازي مؤمنهم بالجنة وهو مقام فضل بطريق الأولى والأحرى.
الشيخ: ثم قوله جل وعلا: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، إن كان أبوهم ضال مضل ما يضرهم، كم من أب ضال وأولاده ناجحون، هذا أبو لهب من أهل النار، وابنه من أهل الجنة، وهكذا أبو جهل من أهل النار، وابنه عكرمة من أهل الجنة، وهكذا غيرهم، لا أحد يشقى إلا بعمله، ما يضره آباؤه ولا أسلافه، إنما يضره عمله، وينفعه عمله.
ومما يدل أيضًا على ذلك عموم قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107]، وما أشبه ذلك من الآيات.
وقد أفردت هذه المسألة في جزء على حدة، ولله الحمد، والمنة.
الشيخ: رحمه الله، وهي جديرة بذلك.
وهذه الجنة لا يزال فيها فضل حتى ينشئ الله تعالى لها خلقًا، أفلا يسكنها من آمن به، وعمل له صالحًا.
الشيخ: يعني من باب أولى إذا كان فيها فضل فينشئ الله لها أقوامًا فيدخلون الجنة، فالذين عملوا واتقوا الله أولى بدخولها من النشء الجديد.
وما ذكروه هاهنا من الجزاء على الإيمان من تكفير الذنوب والإجارة من العذاب الأليم هو يستلزم دخول الجنة؛ لأنه ليس في الآخرة إلا الجنة، أو النار، فمن أجير من النار دخل الجنة لا محالة، ولم يرد معنا نص صريح ولا ظاهر عن الشارع أن مؤمني الجن لا يدخلون الجنة، وإن أجيروا من النار، ولو صح لقلنا به، والله أعلم. وهذا نوح عليه الصلاة والسلام يقول لقومه: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [نوح:4]، ولا خلاف أن مؤمني قومه في الجنة فكذلك هؤلاء.
وقد حكي فيهم أقوال غريبة، فعن عمر بن عبد العزيز أنهم لا يدخلون بحبوحة الجنة، وإنما يكونون في ربضها، وحولها، وفي أرجائها، ومن الناس من زعم أنهم في الجنة يراهم بنو آدم، ولا يرون بني آدم بعكس ما كانوا عليه في الدار الدنيا.
ومن الناس من قال: لا يأكلون في الجنة، ولا يشربون، وإنما يلهمون التسبيح، والتحميد، والتقديس، عوضًا عن الطعام، والشراب كالملائكة؛ لأنهم من جنسهم، وكل هذه الأقوال فيها نظر، ولا دليل عليها.
الشيخ: كلها أقوال باطلة، فهم كالإنس يأكلون، ويشربون، ويتنعمون على حسب أعمالهم الصالحة.
س: الرؤيا هل الإنس يرونهم؟
الشيخ: والرؤيا كذلك يرى بعضهم بعضًا، الإنس يرونهم، وهم يرون الإنس، عكس الدنيا، فهذا من تمام النعيم.
ثم قال مخبرًا عنهم، وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ أي: بل قدرة الله شاملة له، ومحيطة به، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أي: لا يجيرهم منه أحد، أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وهذا مقام تهديد وترهيب، فدعوا قومهم بالترغيب والترهيب، ولهذا نجع في كثير منهم، وجاءوا إلى رسول الله ﷺ وفودًا وفودًا، كما تقدم بيانه، ولله الحمد والمنة، والله أعلم.
س: هل الجن يكونون مثل الإنس في الجنة من الحور العين؟
الشيخ: مثلنا كلهم سواء ينعمون جميعًا، ويرى بعضهم بعضًا، الجنة دار النعيم، ودار الكرامة، ما فيها حزن لأحد، ولا أذى لأحد، دار النعيم والسرور للجميع، من دخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، ويسر لا يحزن، والله المستعان.
س: ويكونون مثل بني آدم في الخلقة؟
الشيخ: الله أعلم، الخلقة الله أعلم، المقصود أنهم يدخلون الجنة، وينعمون فيها.
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ۝ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ [الأحقاف:33-35].
يقول تعالى: أولم ير هؤلاء المنكرون للبعث يوم القيامة، المستبعدون لقيام الأجساد يوم المعاد أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ أي: ولم يكرثه خلقهن، بل قال لها: كوني؛ فكانت بلا ممانعة ولا مخالفة، بل طائعة مجيبة خائفة وجلة، أفليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى؟
الشيخ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38] يعني من إعياء وتعب، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] فليس يتعبه شيء، ولا يكلفه شيء جل وعلا إنما هو أمر أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] فهو جل وعلا القادر على كل شيء، فالواجب الحذر من سطوته وغضبه، والواجب الاستقامة على طاعته، وامتثال أوامره هذا هو طريق النجاة.
كما قال في الآية الأخرى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [غافر:57]، ولهذا قال تعالى: بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
ثم قال جل جلاله متهددًا ومتوعدًا لمن كفر به: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ أي: يقال لهم: أما هذا حق؟ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ [الطور:15]، قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا.
الشيخ: لأنهم في الدنيا أنكروها، أنكروا النار، وأنكروا البعث والنشور، فيقال لهم هذا تقريعًا، وتوبيخًا لهم، وهم أمامها عند دخولها، نسأل الله العافية.
أي: لا يسعهم إلا الاعتراف قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ثم قال تبارك وتعالى آمرا رسوله ﷺ بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ أي: على تكذيب قومهم لهم.
وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال، وأشهرها أنهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وخاتم الأنبياء كلهم محمد ﷺ، قد نص الله تعالى على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي الأحزاب، والشورى، وقد يحتمل أن يكون المراد بأولي العزم جميع الرسل فتكون (من) في قوله من الرسل لبيان الجنس، والله أعلم.
الشيخ: الآيتان وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7]، وفي سورة الشورى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13].
س: والراجح؟
الشيخ: هذا هو المشهور أنهم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وجميع الرسل أولو العزم، كلهم أولو عزم وإيمان، ولكن هؤلاء مقدمون.
س: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه:115].
الشيخ: هذا خاص بآدم.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي، حدثنا السري بن حيان، حدثنا عباد بن عباد، حدثنا مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها: ظل رسول الله ﷺ صائمًا ثم طواه، ثم ظل صائمًا ثم طواه، ثم ظل صائمًا ثم قال: يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد، ولا لآل محمد، يا عائشة، إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها، والصبر عن محبوبها.
الشيخ: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ.
 ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم، فقال: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وإني والله لأصبرن كما صبروا جهدي، ولا قوة إلا بالله.
 وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ أي: لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم كقوله تبارك وتعالى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل:11]، وكقوله تعالى: فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطارق:17]، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، كقوله جل وعلا: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:46]، وكقوله : وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ [يونس:45] الآية.
وقوله جل وعلا: {بَلَاغٌ}، قال ابن جرير: يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون تقديره: وذلك لبث بلاغ. والآخر أن يكون تقديره: هذا القرآن بلاغ.
وقوله تعالى: فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ أي: لا يهلك على الله إلا هالك، وهذا من عدله أنه لا يعذب إلا من يستحق العذاب، والله أعلم.
آخر تفسير سورة الأحقاف، ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة.
الشيخ: كل القرآن بلاغ، هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [إبراهيم:52]، فالله بلغ الناس هذا القرآن العظيم، أخبر الماضين، وأخبر الأمم، وأقام به الحجة، وقطع به المعذرة، وبين به صفات الناجين، وصفات الهالكين، وبين به دار المؤمنين، ودار الكافرين، فقامت الحجة، وانقطع العذر كما في الآية الأخر وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، والله المستعان.
الطالب: الإسناد السابق وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي، حدثنا السري بن حيان، حدثنا عباد بن عباد، حدثنا مجالد بن سعيد عن الشعبي.
الشيخ: والذي عندك إيش هو؟
الطالب: خالد.
الشيخ: لا مجالد، غلط.
سؤال: حديث عائشة هل هو صحيح؟
الشيخ: فيه ضعف بمجالد يضعف فيه لكن معناه صحيح، الله قد أمره، وامتثل عليه الصلاة والسلام، وصبر وآذاه الناس، وصبر وجرى عليه ما جرى يوم أحد، وغير ذلك في مكة كذلك، اللهم صل عليه وسلم.