01 من قوله: (حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ )

قال ابن كثير في تفسير سورة الدخان:
قال الترمذي: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا زيد بن الحباب، عن عمرو بن أبي خثعم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وعمرو بن أبي خثعم يضعف، قال البخاري منكر الحديث.
.......
عن الحسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة غفر له، ثم قال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وهشام أبو المقدام يضعف، والحسن لم يسمع من أبي هريرة ، كذا قال أيوب، ويونس بن عبيد، وعلي بن زيد رحمة الله عليهم أجمعين، وفي مسند البزار من رواية أبي الطفيل عامر بن واثلة عن زيد بن حارثة أن رسول الله ﷺ قال لابن صياد: إني قد خبأت خبأ فما هو؟، وخبأ له رسول الله ﷺ سورة الدخان، فقال: هو الدخ. فقال: اخسأ ما شاء الله ثم انصرف.
س: الفضل الوارد في سورة الدخان فيمن قرأها في ليلة؟
الشيخ: ما أعرف فيها شيء يثبت كلها ضعيفة.
بسم الله الرحمن الرحيم
 حم ۝ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ۝ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ۝ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ۝ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ۝ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۝ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ۝ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [الدخان:1-8].
يقول تعالى مخبرًا عن القرآن العظيم أنه أنزله فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ، وهي ليلة القدر كما قال : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في ذلك في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته، ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان، والحديث الذي رواه عبدالله بن صالح عن الليث عن عُقيل عن الزهري، أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إن رسول الله ﷺ قال: تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح، ويولد له، وقد أخرج اسمه في الموتى فهو حديث مرسل، ومثله لا يعارض به النصوص.
الشيخ: وهذا هو الحق، فإن ليلة القدر هي الليلة التي أنزل فيها القرآن، وهي التي يقدر فيها حوادث السنة فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ.
وقوله : إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ أي: معلمين الناس ما ينفعهم ويضرهم شرعًا؛ لتقوم حجة الله على عباده.
وقوله: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أي: في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر، ومجاهد، وأبي مالك، والضحاك، وغير واحد من السلف.
الشيخ: وهذا يقال له: التقدير السنوي؛ فإن التقديرات أربعة: تقدير عام، التقدير الذي قدره الله، إن الله جل وعلا قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء، قدر كل شيء ، هذا عام لجميع الأشياء ما كان، وما يكون.
والتقدير الثاني: العمري، فإن الله يكتب مقادير العبد في بطن أمه، يكتب: أجله، ورزقه، وعمله، وشقي، أو سعيد، بعد إكماله الأطوار الثلاثة، على رأس الأربعة الأشهر، ثم تنفخ فيه الروح.
والتقدير الثالث: السنوي الذي يكون في ليلة القدر.
والرابع: اليومي الذي قال الله فيه: يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29] ، وفي أثر ابن عباس: إن الله خلق لوحًا محفوظًا من درة بيضاء، صفحاتها من ياقوتة حمراء، قلمه نور وكتابه نور، لله فيه كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة، يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء إلى آخره.
س: التقدير الذي جعله بعض أهل العلم في حديث مسح ظهر آدم؟
الشيخ: هذا فيه نظر، وهو تقدير خامس بعد التقدير العام، وقبل التقدير العمري هذا جاء فيه عدة روايات في مسح آدم، وتفصيل من القدر السابق، يكون نوع خامس، ويصير هو النوع الثاني بعد التقدير العام، هو الثاني في مسح ظهر آدم، ثم التقدير العمري الذي للجميع.
س: صحيح؟
الشيخ: نعم، له طرق لا بأس بها، الذي أعلم أنه لا بأس به، له طرق متعددة، وهو تفصيل من القدر السابق.
وقوله جل وعلا: حَكِيمٍ أي محكم لا يبدل، ولا يغير، ولهذا قال جل جلاله: أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا أي: جميع ما يكون ويقدره الله تعالى، وما يوحيه فبأمره، وإذنه، وعلمه، إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ أي: إلى الناس رسولًا يتلو عليهم آيات الله مبينات، فإن الحاجة كانت ماسة إليه، ولهذا قال تعالى: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۝ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا أي: الذي أنزل القرآن هو رب السموات والأرض، وخالقهما، ومالكهما، وما فيهما، إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي: إن كنتم متحققين، ثم قال تعالى: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ وهذه الآية كقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ [الأعراف:158] الآية.
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ ۝ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ۝ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ۝ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ۝ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ۝ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ۝ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان:9-16].
يقول تعالى: بل هؤلاء المشركون فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ أي: قد جاءهم الحق اليقين، وهم يشكون فيه، ويمترون، ولا يصدقون به، ثم قال متوعدًا لهم ومهددا: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ قال سليمان بن مهران الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن مسروق قال: دخلنا المسجد، يعني مسجد الكوفة عند أبواب كندة، فإذا رجل يقص على أصحابه يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ تدرون ما ذلك الدخان؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام. قال: فأتينا ابن مسعود ، فذكرنا ذلك له، وكان مضطجعًا، ففزع فقعد، وقال: إن الله قال لنبيكم ﷺ: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86]، إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: الله أعلم، سأحدثكم عن ذلك، إن قريشًا لما أبطأت عن الإسلام، واستعصت على رسول الله ﷺ دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان، وفي رواية فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد.
قال الله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ۝ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:10-11] فأتى رسول الله ﷺ فقيل: يا رسول الله، استسق الله لمضر فإنها قد هلكت، فاستسقى ﷺ لهم فسقوا، فنزلت إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ [الدخان:15]، قال ابن مسعود : أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة.
الشيخ: يعني أن هذا عذاب عارض يكشف، وعذاب القيامة ما يكشف، مستمر لأهل النار، نسأل الله العافية.
فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان:16] قال: يعني يوم بدر.
قال ابن مسعود : فقد مضى خمسة: الدخان، والروم، والقمر، والبطشة، واللزام، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين، ورواه الإمام أحمد في مسنده، وهو عند الترمذي، والنسائي في تفسيرهما، وعند ابن جرير، وابن أبي حاتم من طرق متعددة عن الأعمش به، وقد وافق ابن مسعود على تفسير الآية بهذا، وأن الدخان مضى؛ جماعة من السلف كمجاهد، وأبي العالية، وإبراهيم النخعي، والضحاك، وعطية العوفي، وهو اختيار ابن جرير.
الشيخ: أما الدخان الذي هو من أشراط الساعة فهذا يأتي في آخر الزمان، آية الدخان هذه من أشراط الساعة تأتي في آخر الزمان بعد خروج المسيح الدجال، وبعد نزول عيسى، وبعد خروج يأجوج ومأجوج، تأتي آية الدخان في آخر الزمان.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن مسافر، حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا عبدالرحمن الأعرج في قوله : يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10]، قال: كان يوم فتح مكة، وهذا القول غريب جدًا بل منكر.
وقال آخرون لم يمض الدخان بل هو من أمارات الساعة، كما تقدم من حديث أبي سَريحة حذيفة بن أَسِيد الغفاري ، قال: أشرف علينا رسول الله ﷺ من غرفة، ونحن نتذاكر الساعة فقال ﷺ: لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى ابن مريم، والدجال، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس -أو تحشر الناس- تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا.
تفرد بإخراجه مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال لابن الصياد: إني خبأت لك خبأ قال: هو الدخ، فقال له ﷺ: اخسأ فلن تعدو قدرك قال: وخبأ له رسول الله ﷺ: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10]، وهذا فيه إشعار بأنه من المنتظر المرتقب، وابن صياد كاشف على طريقة الكهان بلسان الجان، وهم يقرضون العبارة، ولهذا قال هو الدخ، يعني الدخان، فعندها عرف رسول الله ﷺ مادته، وأنها شيطانية فقال ﷺ: اخسأ فلن تعدو قدرك.
ثم قال ابن جرير: وحدثني عصام بن رواد بن الجراح، حدثنا أبي، حدثنا سفيان بن سعيد الثوري، حدثنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: قال رسول الله ﷺ: إن أول الآيات الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر، تقيل معهم إذا قالوا، والدخان -قال حذيفة : يا رسول الله، وما الدخان؟ فتلا رسول الله ﷺ هذه الآية فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ۝ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ - يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يومًا وليلة، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج من منخريه، وأذنيه، ودبره.
قال ابن جرير: لو صح هذا الحديث لكان فاصلا، وإنما لم أشهد له بالصحة؛ لأن محمد بن خلف العسقلاني حدثني أنه سأل روادا عن هذا الحديث هل سمعه من سفيان؟ فقال له: لا، قال فقلت: أقرأته عليه؟ قال: لا، قال فقلت له: أقرئ عليه، وأنت حاضر فأقر به؟ فقال: لا، فقلت له: فمن أين جئت به؟ فقال: جاءني به قوم فعرضوه علي، وقالوا لي اسمعه منا، فقرؤوه علي ثم ذهبوا به فحدثوا به عني، أو كما قال.
وقد أجاد ابن جرير في هذا الحديث هاهنا، فإنه موضوع بهذا السند، وقد أكثر ابن جرير من سياقه في أماكن من هذا التفسير، وفيه منكرات كثيرة جدا، ولا سيما في أول سورة بني إسرائيل في ذكر المسجد الأقصى، والله أعلم.
الشيخ: لأن رواد لا يحتج به، رواد بن الجراح هو علة هذا الخبر. انظر الكلام عنه في الخلاصة.
الطالب: رواد بن الْجراح الْعَسْقَلَانِي أَبُو عِصَام عَن الْأَوْزَاعِيّ، وخليد بن دعْلج، وعنهُ إِسْحَاق الْحَنْظَلِي، وابْن معِين، ووَثَّقَهُ، قَالَ ابْن عدي: روى غير حَدِيث مُنكر، وعَامة مَا يرويهِ لَا يُتَابِعه عَلَيْهِ النَّاس.
في الحاشية: قال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: متروك.
الشيخ: هذا الصواب، متروك. شوف لي عصام.
الطالب: ما ترجم له.
الطالب: روّاد -بتشديد الواو- ابن الجراح، أبو عصام العسقلاني، أصله من خرسان، صدوق اختلط بآخره، فترك، وفي حديثه عن الثوري ضعف شديد، من التاسعة. (ابن ماجه).
الشيخ: شوف لي عصام ذكره، أم ما ذكره؟
الطالب: ما ذكره.
وقال ابن جرير أيضا: حدثنا محمد بن عوف، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، حدثني أبي، حدثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله ﷺ: إن ربكم أنذركم ثلاثًا: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه، والثانية الدابة، والثالثة الدجال؟.
ورواه الطبراني عن هاشم بن يزيد عن محمد بن إسماعيل بن عياش به، وهذا إسناد جيد.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا خليل عن الحسن، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله ﷺ قال: يهيج الدخان بالناس، فأما المؤمن فيأخذه كالزكمة، وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه. ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أبي سعيد الخدري موقوفًا، وروى سعيد بن عوف عن الحسن مثله.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبدالله بن صالح بن مسلم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: لم تمض آية الدخان بعد، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، وتنفخ الكافر حتى ينفذ.
الشيخ: المقصود أن الدخان يأتي لم يفرغ، هذا الدخان دخان أصغر لقريش، وانتقم الله منهم يوم بدر، أما الدخان الذي من أشراط الساعة فقد جاءت الأحاديث الصحيحة يكون في آخر الزمان، بعد الدجال، وبعد عيسى، وبعد يأجوج ومأجوج.
س: الأثر الذي ساقه الأخ ما له حكم الرفع؛ لأنه ما يقال بمجرد الرأي، مثل يصلى على الصائم إذا أكل عنده؟
الشيخ: فيه ضعف، تدليس قتادة، وعنعنة قتادة.
وروى ابن جرير من حديث الوليد بن جميع عن عبدالملك بن المغيرة، عن عبدالرحمن بن البيلماني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: يخرج الدخان فيأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ويدخل مسامع الكافر والمنافق، حتى يكون كالرأس الحنيذ، أي: المشوي على الرضف، ثم قال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، عن ابن جريج، عن عبدالله بن أبي مليكة، قال: غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت. قلت: لم؟ قال: قالوا طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت.
الشيخ: هذا ضعيف؛ لأن ابن جريج إذا عنعن فضعيف جدًا، ومثل هذا لا يخفى على ابن عباس، الدخان يأتي نعم.
وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه، عن ابن أبي عمر، عن سفيان، عن عبدالله بن أبي يزيد، عن عبدالله بن أبي مليكة، عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة، وترجمان القرآن، وهكذا قول من وافقه من الصحابة، والتابعين أجمعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح، والحسان، وغيرهما التي أوردوها مما فيه مقنع.
الشيخ: فيه نظر، أثر ابن عباس فيه نظر؛ ....... فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ۝ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ كل هذا في قصة قريش، وإلا الدخان هذا جاءت به الأحاديث الصحيحة أنه بعد خروج الدجال، وبعد خروج يأجوج ومأجوج، وبعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، فيبعد أن يخفى على ابن عباس.
انظر التقريب: عبدالله بن أبي يزيد، وعبيدالله بن أبي يزيد، تصغيره، مكبر، ومصغر، وأبوه ابن أبي يزيد، في الخلاصة.
ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن، قال الله تبارك وتعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ أي: بين واضح يراه كل أحد، وعلى ما فسر به ابن مسعود إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد، وهكذا قوله تعالى: يَغْشَى النَّاسَ أي: يتغشاهم، ويعمهم، ولو كان أمرًا خياليًا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه: يَغْشَى النَّاسَ.
وقوله تعالى: هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ أي: يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا، كقوله : يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [الطور:13-14]، أو يقول بعضهم لبعض ذلك.
وقوله : رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أي: يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه، وكشفه عنهم، كقوله جلت عظمته: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27]، وكذا قوله جل وعلا: وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ [إبراهيم:44].
وهكذا قال جل وعلا هاهنا: أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ۝ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ، يقول: كيف لهم بالتذكر، وقد أرسلنا إليهم رسولًا بين الرسالة، والنذارة.
الشيخ: بين الرسالة، واضح الرسالة.
ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه، بل كذبوه، وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ [الدخان:14]، وهذا كقوله جلت عظمته: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] الآية، وكقوله : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ۝ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [سبأ:51-52] إلى آخر السورة.
وقوله تعالى: إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ [الدخان:15] يحتمل معنيين:
(أحدهما): أنه يقوله تعالى: ولو كشفنا عنكم العذاب، ورجعناكم إلى الدار الدنيا، لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب، كقوله تعالى: وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [المؤمنون:75].
وكقوله جلت عظمته: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28].
و(الثاني): أن يكون المراد إنا مؤخرو العذاب عنكم قليلا بعد انعقاد أسبابه ووصوله إليكم، وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلال، ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم، كقوله تعالى: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس:98]، ولم يكن العذاب باشرهم، واتصل بهم، بل كان قد انعقد سببه ووصوله عليهم، ولا يلزم أيضًا أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم ثم عادوا إليه، قال الله تعالى إخبارًا عن شعيب أنه قال لقومه حين قالوا: لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ۝ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا [الأعراف:88، 89]، وشعيب لم يكن قط على ملتهم وطريقتهم.
وقال قتادة: إِنَّكُمْ عَائِدُونَ إلى عذاب الله.
وقوله : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان:16] فسر ذلك ابن مسعود بيوم بدر، وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسيره الدخان بما تقدم، وروي أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما من رواية العوفي عنه وعن أبي بن كعب ، وهو محتمل، والظاهر أن ذلك يوم القيامة، وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضًا.
قال ابن جرير: حدثني يعقوب حدثني ابن علية، حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما قال ابن مسعود : البطشة الكبرى يوم بدر، وأنا أقول: هي يوم القيامة، وهذا إسناد صحيح عنه، وبه يقول الحسن البصري، وعكرمة، في أصح الروايتين عنه، والله أعلم.
الشيخ: كل هذا محتمل، والأقرب والله أعلم مثلما قال المؤلف، لكن آية الدخان متأخرة يبعد أن يخفى على ابن عباس أمرها، وأن يخاف ....... بالدخان هذا وجه الغرابة عن ابن عباس، وإلا القول بأن آية الدخان الآية التي وعد الله بها في آخر الزمان قول قريب، وأقرب من قول ابن مسعود .
الطالب: عبيدالله بن أبي يزيد المكي مولى آل قارظ ابن شيبة ثقة، كثير الحديث، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين، وله ست وثمانون. (الجماعة).
وجدنا في كذلك ابن عبدالله، ولكن من السابعة، هذا من الرابعة الذي اشترطه الآن.
وأما عبدالله بن يزيد، أو ابن أبي يزيد المازني أبو عبدالرحمن البصري مقبول من السابعة، روى له أبو داود في فضائل الأنصار.
الشيخ: لا، هو الأول.
س: ما الأقرب من المعنيين؟
الشيخ: الله أعلم، والأقرب فيه أنه يوم القيامة.
س: قول المؤلف عفا الله عنه: شعيب لم يكن قط على ملتهم، وعلى طريقتهم؟
الشيخ: يعني من  أنشأه الله على التوحيد.
  1. س: يعني شعيب في الآية يتحدث بلسان أتباعه؟
الشيخ: ما نرجع إلى دينكم، نحن على دين الإسلام الحق، لا نرجع إلى دينكم، لو نعود معنى أنكم من أول نعاديكم ثم نعود إليه، لا، وقال آخرون: معناه أنه كان أول هذا دينهم ثم علمه الله وأوحى إليه، وأنقذه منهم، وصار نبيا لهم.