21- من حديث (كان رسول الله ﷺ يقبل الهديةَ ويثيب عليها)

938- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، ويُثِيبُ عَلَيْهَا". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

939- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا قَالَ: وهَبَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَاقَةً، فَأَثَابَهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: رَضِيتَ؟ قَالَ: لَا، فَزَادَهُ، فَقَالَ: رَضِيتَ؟ قَالَ: لَا، فَزَادَهُ، فقَالَ: رَضِيتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

940- وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، ولَا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا، حَيًّا، ومَيِّتًا، ولِعَقِبِهِ.

وَفِي لَفْظٍ: إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ ولِعَقِبِكَ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا.

وَلِأَبِي دَاوُدَ، والنَّسَائِيِّ: لَا تُرْقِبُوا، ولَا تُعْمِرُوا، فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا أو أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ.

941- وعَنْ عُمَرَ قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا تَبْتَعْهُ، وإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ... الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث في الهدية، وفي العُمرى، والرقبى.

في الحديث الأول الدلالة على أنه ﷺ كان يقبل الهدية، ويُثيب عليها، ولا يقبل الصدقة، فإنه قال: لا تحل لمحمدٍ ولا لآل محمدٍ يعني: الزكاة، وأما الهدية فلا بأس، ولهذا لما تُصُدِّق على بريرة قال: هي عليها صدقة، وهي لنا منها هدية، وقالت عائشةُ رضي الله عنها: "كان يقبل الهدية، ويُثيب عليها" يعني: يُجازي عليها، فلا بأس بقبول الهدية، ثم يُجازي عليها، يعني: أن يُعطي المهدِي مقابل ذلك، ولا سيما إذا كان مثله يقبل المجازاة.

ولهذا في الحديث الثاني: أنه ﷺ أهداه بدويٌّ ناقةً، فأعطاه مكافأةً، فقال له: رضيتَ؟ قال: لا، ثم أعطاه، فقال: رضيتَ؟ قال: لا، ثم أعطاه، فقال: أرضيتَ؟ قال: نعم، هذا يدل على أن المُهْدِي إذا كان ممن يُريد المقابلة: كالمهدي إلى الملوك والأمراء، فإنهم يُهدون يُريدون مقابلًا كثيرًا، فإنَّ المهدِي يُعطى، سواء سماها: هدية، أو سماها: هبة، يُعْطَى مقابل ذلك بالثمن، أو ما يزيد عليه حتى يرضى، وإلا تُرد إليه هديته، إما أن يقول: رضيتُ، وإلا تُرد إليه هديته، ويُعطيه المهدَى إليه قيمتها، أو ما يُقارب ذلك، أو أزيد من ذلك، فإن رضي وإلا ردَّها عليه.

أما إذا كان مثله لا يقبل العوضَ في الهدية، وإنما أهدى محبةً وإحسانًا إلى الشخص المهدَى إليه، ومحبة بينه وبينه، وليس ممن يقبل الثوابَ؛ هذا ما يحتاج ثوابًا.

والحديث الثالث: العُمْرَى والرقبى، الصحيح أنها لمن أرقبها، فإذا قال زيدٌ لعمرو: هذه الدار لك حياة عينك، أو هي لك ولعقبك، فإنه يملكها، تكون له ولعقبه، ولهذا قال ﷺ: العُمْرى لمن وُهِبَتْ له، وقال: لا تعمروا، ولا ترقبوا، فمَن أُرقب شيئًا أو أُعْمِرَ شيئًا فهو لورثته، وقال: أمسكوا عليكم أموالَكم، فإنه مَن أُعْمِرَ عُمرى فهي للذي أُعمرها، حيًّا، وميتًا، ولعقبه، كما يقول جابر: "فإذا قال: ما عشتَ، فهي ترجع لصاحبها"، فهذا من فهمه ، وظاهر الأحاديث خلاف ذلك، فالعمرى يحصل بها التَّملك، أما إذا قال: لا، إسكان، أن تسكن، هي عارية تسكن فيها سنتين، ثلاثًا، حياتك، ما قال: عمرى لك، ولا قال: عقبى، ولا قال: هبةً، قال: تسكن فيها، سكنى فقط، فهذا صريحٌ أنها ليست عمرى، ليس له إلا السكن.

وفي حديث عمر الدلالة على أن مَن تصدَّق بشيءٍ في سبيل الله: كفرسٍ، أو دابةٍ في سبيل الله، فإنه لا يجوز له العودة فيه، ولا شراؤه، شيء أخرجه لله لا يرجع فيه، صدقة، أو مساعدة في سبيل الله، لا يرجع فيه: العائد في هبته كالعائد في قيئه.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: العمل إذا شرط، أن تكون ثابتةً على الشرط، وتكون مؤبدةً؟

ج: نعم، تكون مؤبدةً، إذا قال: هي لك عمرك، تكون له مؤبدة، ورث؛ لأنَّ هذه الأملاك أملاك الإنسان له مدة حياته، إذا مات انتقل إلى ورثته، هذه أملاك الناس، أملاكهم مدة حياتهم، فإن ماتوا انتقلت إلى غيرهم.

س: يعني: ما ترجع؟

ج: ما ترجع.

س: معنى حديث عمر: "حملتُ على فرسٍ في سبيل الله .."؟

ج: يعني: تصدَّق به، يعني: أعطاه المجاهدين يُجاهدون عليه، يعني: سبلها في سبيل الله.

س: إذا كانت العمرى لعشر سنوات؟

ج: إذا حددت سنوات معينة تصير مؤجلةً، تصير مساعدةً، ما تصير عمرى تامَّة، أما إذا قال: العمرى لك حياة عينك، ما دمتَ حيَّا؛ فهذا له ولورثته.

س: إذا كان لا يُعطي الهدية إلا بنيته؛ لأنَّه يُريد أن يُثاب عليها؟

ج: يُعطى ما يُقابلها أو أكثر حتى يرضى، أو تردّ عليه.

س: الهدية والرجوع إليها فعل النبي ﷺ عندما قال: ارجعوا بأنبجانيتي هذه إلى أبي جهم، أرجعوا خميصتي هذه إلى أبي جهم، وهو الذي أعطاه الأنبجانية، وأعطاه ..... رجع في الهدية؟

ج: لا، هذا ما في، قال: ائتوني بأنبجانية أبي جهم، ما قال أنه أعطاه إياها، أعطاه الخميصة فقط، وقال: ائتوني بأنبجانية، هذا يدل على ..... بينه وبين أبي جهم اتِّفاق، أو لأنَّ أبا جهم كالولد، ما هو متمنع، إذا قال له أيَّ شيءٍ سوف يخلص فيه.

س: الإثابة على الهدية تكون من جنسها، أو من أي جنسٍ؟

ج: سواء من جنسها، أو من غير جنسها، لكن فقط تكون بقدر ثمنها أو أكثر حتى يرضى صاحبُها.

س: إذا كانت الهديةُ حسيةً، والإثابةُ معنويةً، هل يكفي هذا؟

ج: لا بدّ من مالٍ، إذا أهدى إليه سيارةً يُعطيه فلوسًا، وإلا سيارة مثلها، وإلا أحسن منها، وإذا أعطاه أرضًا يُعطيه أرضًا مثلها، وإلا أحسن منها، وإلا دراهم تُقابله.

س: إذا مات المُهْدَى إليه وليس له ورثة؟

ج: من التركة، تُؤخذ من تركته.

س: رجوع المرأة في هبتها لزوجها؟

ج: في الغالب أنها تُعطيه لأنها تخاف أن يُطَلِّق، إذا كانت لها أسباب، إذا كانت تُعطيه تخاف أن يُطلِّق، وطلَّق ترجع، أما إذا كانت أعطته لفقره وحاجته، ما هو خوف من طلاقٍ؛ فليس لها الرجوع، تعمّها الأحاديث، أما إن أعطته خافت أنه يُطلِّق، تُسْكته، شافت هواجس بالطلاق، أو كذا، فهذا الغالب عليه أنها تُعطيه خوفًا منه أن يُطلِّق.

المقصود أن ينظر في القرائن، وأن يتّقي الله، فإذا كانت القرائنُ أنها أعطته خوفًا من شرِّه، أو خوفًا من طلاقه، أو خوفًا أنه يتزوج، فإذا خالف ما رأت يرد عليها الهدية.

س: لكن بعد الطلاق لو طلَّق ورجعت الزوجةُ في هبتها؟

ج: من باب أولى أن يردّها عليها؛ لأنَّ الغالب عليهن إنما يُعطين لمصلحةٍ: إما خوف من طلاقٍ، أو خوف أن يتزوج.

س: المال الذي رجعت به حلالٌ لها؟

ج: إذا كان لهذا أعطته: خوفًا من شرِّه.

س: قوله: أنت ومالك لأبيك تدخل الأمُّ في ذلك؟

ج: لا، خاصٌّ بالأب.

س: حديث عمر يُفهم منه أنَّ شراء الزكاة خارج عن هذا؛ لحديث عطاء، عن النبي -المُرسل: لا تحلّ الصدقةُ لغنيٍّ إلا لخمسةٍ، قال: ورجلٌ اشتراها بماله؟

ج: إذا كانت ما هي صدقته، صدقة غيره، ما هي بصدقته هو.

س: وإذا كانت صدقته هو؟

ج: ما يشتريها، لا، لا يرجع فيها، ولا يعود في صدقته.

س: الحائض هل لها أن تسجد للشكر والتِّلاوة؟

ج: الصواب لها ذلك؛ لأنها ما يشترط فيها الطَّهارة.

س: هذا سؤالٌ مُرسَلٌ إلينا من إحدى النساء، تقول: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي عام المملكة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا امرأة مُقيمة في مدينة الرياض، وزوجي سافر إلى بلاد مالي منذ 1411، يعني: له الآن ثماني سنوات منذ أن سافر، لم يُرسل إليَّ جوابًا، ولا رسالةً، ولا نفقةً، وكنتُ أرسل إليه جوابات، ومكالمات في الشرائط، وحتى الآن ما أجابني بجوابٍ واحدٍ، علمًا بأنه قد يرى كل ما أرسل إليه، وقد كان بيني وبينه بنت، وأنا الآن تعبتُ من انتظاره، ولذلك أطلب من سماحتكم الإفادة في هذا الأمر، حيث تركني كالمُعلَّقة، والله سبحانه ينهى عن ذلك، وأنتم أعلم بالشريعة مني، والله تعالى يقول: فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129]، وأريد من سماحتكم البيان بما عليَّ منه: هل أنتظره؟ ولا أقدر إلا إذا كلَّفتني الشريعةُ عند ذلك؟

ج: تُراجع المحكمة، عليكِ أن تُراجعي المحكمة، وفيما تراه المحكمة الكفاية.

س: بعض الناس يأخذ من إنسانٍ شيئًا، ثم يقول: أريد هذا الشيء أن يكون هديةً، هل يصلح هذا؟

ج: إذا سمح عنه الرد جزاه الله خيرًا، وإلا هو ظالم، وإن سمح وأعطاه إياه ما في بأس، وتكون سماحة صحيحة، ما هو خوفًا من شرِّه، أو لأسبابٍ أخرى، إذا سمح ويعلم أنها سماحة عن رضا، وليست عن قهرٍ، ولا عن خوفٍ؛ لا بأس.