حكم إقامة الموالد والاحتفال بها

السؤال:

نعود في بداية هذه الحلقة إلى رسالة المستمع: أنور محمد عيد من الجمهورية العربية السورية، الأخ أنور عرضنا بعض أسئلته في حلقة مضت، وله في هذه الحلقة سؤال واحد يقول فيه: اعتاد كثير من الناس عندنا أن يعملوا للميت بعد ثلاثة أيام من موته مولدًا نبويًا، ويذبحون الذبائح يقدمونها للناس، هل هذا العمل سنة، أم أنه لا يجوز، ولا يستفيد منه الميت؟ أجيبونا مأجورين جزاكم الله خيرًا. 

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد. 

فعمل الإنسان مولدًا لأبيه، أو أخيه، أو غيرهما بعد ثلاثة أيام، أو بعد أربعين يومًا، أو بعد أسبوع، أو بعد سنة، كل ذلك بدعة، لا أصل له في الشرع المطهر.

فالاحتفال بالموالد مما أحدثه الناس في الإسلام، وكان أول من أحدث ذلك فيما ذكره جماعة من المؤرخين الفاطميون الذين ملكوا المغرب، ومصر مدةً طويلة في القرن الخامس والسادس، في القرن الرابع والخامس، ثم حدث بعد ذلك من آخرين من الناس، فعملوا موالد للنبي ﷺ وللحسن و للحسين ولـفاطمة ولـعلي -رضي الله عنهم- ولآخرين، وكل ذلك من البدع.

فالواجب على أهل الإسلام أن يسيروا على نهج نبيهم ﷺ وعلى نهج أصحابه -رضي الله عنهم- ومن تبعهم بإحسان من التابعين، وأتباعهم في القرون المفضلة، وألا يعملوا مولدًا لا للنبي ﷺ ولا لآبائهم، وأمهاتهم، ولا لغير ذلك من الناس، قال الله -جل وعلا- في كتابه العظيم: لَقَدْ كَانََ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] فلنا في الرسول ﷺ أسوة حسنة لم يعمل مولدًا لنفسه، ولم يعمله خلفاؤه الراشدون لهم ولا لنبيهم ﷺ، ولم يعمله الصحابة لا للنبي ﷺ ولا للخلفاء الراشدين ولا لغيرهم، ولم يعمله التابعون ولا أتباع التابعين في القرون المفضلة.

فالواجب تركه؛ لأنه بدعة، وقد قال الله سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُُ [الشورى:21] يذمهم بهذا سبحانه، وقال لنبيه ﷺ: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18] وقال النبي ﷺ في الحديث الصحيح في خطبة الجمعة: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة خرجه الإمام مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي ﷺ أنه قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد وخرجه مسلم في صحيحه، فقال: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد.

فالواجب على أهل الإسلام الحذر من هذه البدع، ومنها: الاحتفال بالموالد، سواء كان في اليوم الأول أو الثالث أو العاشر أو غير ذلك، وهكذا الاحتفال بالمولد النبوي، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام.

وهكذا الاحتفال بالموالد الأخرى كمولد علي أو فاطمة، أو الحسن أو الحسين، أو الشاذلي، أو الشيخ عبدالقادر الجيلاني، أو ابن عربي، أو غير هذا كلها بدعة.

وممن نبه على هذا جماعة من أهل العلم كـالشاطبي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وآخرين من أهل العلم، نبهوا على هذه البدع، والمطلوب من المسلمين اتباع النبي ﷺ وتعظيمه بطاعة أوامره، وترك نواهيه، لا بالموالد.

المقصود اتباع شريعته، وتعظيم أمره، ونهيه والسير على منهاجه -عليه الصلاة والسلام- والسير على من درج عليه أصحابه -رضي الله عنهم- أما إحداث البدع فهي تغضبه، بل تغضب الله أولًا، وتغضبه -عليه الصلاة والسلام- أيضًا؛ لأنها زيادة في الدين، ليس لها أصل، والله يقول سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100] فالمتبعون بإحسان هم الذين ساروا على نهجه، ولم يزيدوا، ولم ينقصوا، بل تابعوهم على ما كانوا عليه من العمل الصالح، والعلم النافع.

وإذا أراد أحد أن يتصدق لأبيه، أو أمه، أو أقاربه بدراهم يعطيها الفقراء، أو ذبيحة يوزعها بين الفقراء، أو طعام يعطيه الفقراء لا بأس يتصدق، أو بنقود يعطيها بعض الفقراء، كل هذا طيب الصدقة مطلوبة.

أما إيجاد مولد احتفال بمولد في أي يوم كان هذا هو المنكر، هذا هو البدعة، سواء كان ذلك المولد للنبي ﷺ أو لغيره.

وهكذا الاحتفال بليلة سبع وعشرين من رجب؛ لأنها بزعمهم ليلة الإسراء والمعراج، هذا بدعة أيضًا، لا أصل لها في الشرع المطهر، وليلة الإسراء والمعراج غير معلومة، ولو علمت لم يحتفل بها؛ لأن الرسول ﷺ لم يحتفل بها، وهكذا أصحابه، والشيء الذي لم يفعله ﷺ ولا أصحابه يعتبر بدعة، فلو علمنا ليلة الإسراء والمعراج لم نحتفل بها؛ لأن إمامنا وسيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- لم يحتفل بها، وهو القدوة، وهكذا أصحابه، رضي الله عنهم وأرضاهم. 

وكل عمل ليس عليه أمره؛ فهو رد، يعني: فهو مردود، ولا يجوز للعاقل التقليد للناس، يقول: الناس فعلوا وأفعل مثلهم، ولو فعله الأكثرون التقليد لا يجوز، الواجب الأخذ بالحجة والدليل، قال الله وقال رسوله، ومن تبع الناس فيما يفعلون من غير نظر الدليل؛ هلك.

فالناس الآن كثير منهم يعبدون الأموات، ويستغيثون بأهل القبور، ويطوفون بقبورهم، هل يتبعون هذا الشرك الأكبر، ويبنون المساجد على القبور، وهذا منكر، فلا يجوز اتباع الناس إلا في طاعة الله ورسوله، الله ذم الجاهلية، وذم قريشًا وأشباههم من الكفرة لما بعث نبيه ﷺ وعارضوه بقولهم: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:22] ذمهم بهذا، فليس للعاقل أن يحتج بالآباء والأسلاف، أو بعمل الناس في الباطل، بل يبحث عن الحق، قال الله، وقال رسوله، ويأخذ بالحق الذي قاله الله ورسوله، وإن خالفه أكثر الخلق، فالحق هو الواجب الاتباع، وإن كنت وحدك، قال حذيفة -رضي الله عنه-: يا رسول الله! كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير على يديك، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم فقال حذيفة -رضي الله عنه-: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي تعرف عنهم وتنكر قلت: يا رسول الله! وهل بعد ذلك الخير من شر -يعني: هل بعد الخير الذي فيه دخن هل بعده شر؟- قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها؛ قذفوه فيها قلت: يا رسول الله! صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا -يعني: من العرب- قلت: فما تأمرني يا رسول الله! إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة؛ حتى يدركك الموت وأنت على ذلك يعني: وأنت على الحق.

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: لـعمرو بن ميمون، عمرو بن ميمون الأودي - قال: يا عمر ! الجماعة ما وافق الحق، وإن كنت وحدك.. الجماعة ما وافق الحق، وإن كنت وحدك.

فالحق هو الواجب الاتباع، فلو كنت في بلد ما يصلي فيه أحد، لا تخلي الصلاة؛ صل أنت ولو وحدك، وإذا كنت في بلد لا يصومون رمضان؛ صم أنت ولو وحدك، وإن كنت في بلد لا يزكون؛ زك أنت، ولو كنت وحدك، فالحق واجب الاتباع، ولو كنت في بلد لا يذكرون الله؛ اذكر الله أنت قل: لا إله إلا الله، سبحان الله، والحمد لله، ولو أنكروا عليك، ولو سخروا منك، وإذا كنت في بلد لا يبرون والديهم؛ بر والديك أنت، وهكذا بقية أمور الدين، فالحق يجب اتباعه، ولو كنت وحدك، والله المستعان، نعم.

المقدم: الله المستعان، نسأل الله أن يهيئ لهذه الدعوة القبول، وأن يوفق المسلمين لاتباع منهج الإسلام، إنه على كل شيء قدير. 

الشيخ: نسأل الله ذلك.. نسأل الله أن يوفق المسلمين لما فيه رضاه، نسأل الله أن يصلح أحوالهم، نسأل الله أن يولي عليهم خيارهم، نسأل الله أن يسهل لهم دعاة الحق حتى يفقهوهم في الدين، يقول النبي ﷺ: من يرد الله به خيرًا؛ يفقهه في الدين ويقول ﷺ: من دل على خير؛ فله مثل أجر فاعله ويقول سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

فالواجب على العلماء أينما كانوا في البلاد الإسلامية، وفي غيرها، الواجب على علماء الحق، علماء الكتاب والسنة، الواجب عليهم أن يبلغوا رسالة الله، وأن يعلموا الناس دين الله، وأن يبصروهم بالحق، ولا سيما معنى شهادة: أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن يعلموهم أن الواجب عليهم إخلاص العبادة لله وحده، وأن لا يعبدوا معه سواه، لا ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا، وأن يحفظوا الصلوات الخمس، ويدينوا بها، ويستقيموا عليها في أوقاتها، وأن يؤدوا الزكاة كما فرض الله، وأن يصوموا رمضان كما فرض الله، وأن يحجوا البيت مع الاستطاعة كما أوجب الله، هكذا، نسأل الله للمسلمين الهداية والتوفيق، وصلاح النية والعمل.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا.

الشيخ: الله المستعان. نعم. 

فتاوى ذات صلة