الجواب:
هذا يسأل لمن فاتته صلاة المغرب، وحضر قومًا يصلون العشاء، وأدركهم في الركعة الثالثة، فصلى الإمام ما بقي من ركعتين، ثم سلم، ثم قام هذا، وأتى بالثالثة، فهل يجزئه ذلك؟
الصحيح: أنه يجزئه ذلك إذا نوى المغرب، دخل معه بنية المغرب، ثم صلى ركعتين مع الإمام الركعتين الأخيرتين، ثم قام وصلى الثالثة أجزأه، والاختلاف في النية لا يؤثر، إنما المؤثر اختلاف الأفعال.
النبي ﷺ قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا إلى آخره، فذكر الأفعال، والأقوال، ولم يتعرض للنيات، فالنية محلها القلب، فإذا جاء والناس يصلون العصر، وما صلى الظهر؛ صلى معهم العصر بنية الظهر، فإذا سلم أتى بالعصر بعد ذلك حتى لا تفوته الجماعة، ولا يقدم العصر على الظهر، بل يقدم الظهر كما رتبها الله، وينويها مع من صلى العصر، فإذا سلم بعد ذلك أتى بالعصر، إما وحده، وإما مع من حضر ممن عليه العصر.
كذلك هنا إذا جاء والناس يصلون العشاء، وقد دخلوا بالثالثة ناويًا المغرب؛ فإنه إذا سلم الإمام يقوم حتى يأتي بالثالثة، وهكذا لو كانوا يقصرون العشاء، فجاءهم، فإنه يصلي معهم العشاء بنية المغرب، فإذا سلم الإمام قام الذي عليه المغرب، فصلى الثالثة بنية المغرب، وأجزأه ذلك، وله نيته، ولهم نيتهم.
بقي صورة أخرى وهي: ما إذا دخل معهم من أول الصلاة، وعليه صلاة المغرب، وهم يصلون العشاء في الحضر، فهل يصلي معهم بنية المغرب، وإن تخالفت الأفعال، أم لا يصلي معهم؟ على قولين لأهل العلم:
منهم من قال: يصلي معهم نافلة، ثم يصلي المغرب بعد ذلك، والعشاء، ومن أهل العلم من قال: لا بأس أن يصلي معهم، ثم يجلس في الثالثة بنية المغرب، فإذا سلم الإمام سلم معه، وصارت صلاته مجزئة عن المغرب، ثم يصلي العشاء بعد ذلك، واختار هذا بعض أهل العلم، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة؛ لأنه معذور في هذه الحال.
وقد ثبت عنه ﷺ أنه رخص للمصلين في صلاة الخوف ببعض الأعذار من أجل الحفاظ على الجماعة، فقد صلى -عليه الصلاة والسلام- في صلاة الخوف في بعض الأوقات، صلى بالجميع جميع الجيش، وجعله صفين، وقرأ بهم، وركع بهم، ثم لما سجد، أمر الصف الثاني أن يتخلف في الحرس لئلا يلاحظهم العدو، فبقي الصف الثاني واقفًا ينظر لئلا يتقدم العدو، ويستغل سجودهم، فإذا قام الصف الأول من سجودهم انحدر الصف الثاني وسجد، ثم في الركعة الثانية تقدم الصف الثاني، فصار في الصف الأول، وتأخر الصف الأول فصار في الصف الثاني، فركعوا جميعًا، فلما سجدوا سجد معه الصف الأول الذي كان صفًا ثانيًا في الركعة الأولى، وبقي الصف الثاني يحرس، فلما قام الصف الأول من السجود سجد الصف الثاني، وهذه مخالفة لقاعدة صلاة الأمن، جازت للمصلحة الشرعية.
وكذلك أيضًا في صلاة الخوف كان يصلي بهم طائفتين: طائفة تحرس، وطائفة يصلي بهم، فإذا صلى بهم الركعة الأولى قاموا لأنفسهم، انفردوا لأنفسهم مكان الثانية، ثم يسلمون، ثم يذهبون يحرسون، والنبي واقف -عليه الصلاة والسلام- في الركعة الثانية، فتجيء الطائفة الأخرى تصف معه، وتصلي معه الركعة الثانية، ثم يقومون فيأتون بالركعة الثانية التي لهم، ثم يقرأون التحيات، ثم يسلم بهم -عليه الصلاة والسلام- فهذا عذر من أجل الخوف، ومن أجل مسألة الحراس للمسلمين، فجاز هذا الأمر للعذر الشرعي الذي حصل بسبب الخوف من الأعداء.
فكذلك هنا من فاتته المغرب، وجاء وهم يصلون العشاء فهو معذور؛ لأنه ما أدركهم قبل الصلاة، وقد أخطأ في تخلفه إن كان ما له عذر، وقد يكون كان معذورًا بنوم، ونحوه.
فالحاصل: أنه إذا دخل معهم، وصلى معهم بنية المغرب، وجلس في الثالثة ينتظر، ثم سلم مع الإمام أجزأته صلاته، ثم بعد ذلك يصلي صلاة العشاء وحده، أو مع من تيسر من الذين أرادوا أن يتنفلوا معه، ويجبروا صلاته، فيصلون معه حتى تكون له جماعة، أو من لم يصل العشاء يصلي معه.
وقد ثبت عنه ﷺ أنه رأى رجلًا دخل بعد العصر قد فاتته الصلاة، وليس معه أحد، فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه فدعاهم إلى أن يصلوا معه حتى يحصل له الجماعة، فالذي يصلي مع نافلة، وهو يصلي فريضة فهذا يدل على عظم شأن الجماعة، وأنها مقصودة، وأن حضورها مهم جدًا كما تقدم، ولهذا جاز فيها أشياء من الأعذار بسبب الرغبة في حضور الجماعة وأداء الصلاة في جماعة.