تفسير قوله تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ...)

السؤال: نعود مع مطلع هذه الحلقة إلى رسالة أحد الإخوة المستمعين من نيجيريا في مدينة لاجوس هو المستمع زكريا محمد حسن ، أخونا زكريا عرضنا له سؤال في حلقة مضت وفي هذه الحلقة يسأل عن تفسير آية، هي قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الآية الكريمة مضمونها التحذير من أن تسمع ما لا يحل لك، أو تنظر إلى ما لا يحل لك، أو تعتقد ما لا يحل لك، فأنت مسئول عما سمعت وعما نظرت إليه وعما اعتقدته بقلبك، والفؤاد: هو القلب، فالإنسان مسئول عن سمعه وبصره وفؤاده.
فعلى المؤمن أن يتقي الله في سمعه وبصره وقلبه، وأن لا يسمع ما حرم الله عليه من سماع الأغاني وآلات اللهو أو سماع الغيبة والنميمة لما فيهما من الضرر العظيم أو ما أشبه ذلك مما يضر سماعه، بل يستمع الخير كاستماعه للقرآن الكريم أو للسنة المطهرة أو للأحاديث المفيدة، وسماعه لكلام أهله المباح أو كلام إخوانه وما أشبه ذلك مما هو مباح أما المحرم فليحذر.
ومن ذلك أن يستمع لقوم يكرهون سماعه ولا يرضون أن يسمع حديثهم فلا يجوز له ذلك، كما في الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: من تسمع حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة رواه البخاري ، والآنك يعني: الرصاص، هذا تحذير من سماع أحاديث الناس وهم يكرهون ذلك، كأن تستمع لهم من عند الباب سراً أو من طاقة أو من سماعة التلفون، أو أشباه ذلك، ليس لك أن تستمع حديث قوم يكرهون ذلك لهذا الحديث العظيم، وهو قوله ﷺ: من تسمع حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة يعني: الرصاص نسأل الله العافية.
وهكذا البصر أنت مأمور بغض البصر عما حرم الله، غض البصر عن النسوان عن النساء، لئلا تفتن بهن، كما قال جل وعلا: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] تغض بصرك عما حرم الله عليك من النساء الأجنبيات، كزوجة أخيك أو زوجة عمك أو ما أشبه ذلك من غير المحارم.
وهكذا عن المردان إذا خشي الفتنة تغض بصرك عن النظر إلى الأمرد إذا خشيت الفتنة وهكذا مما أشبه ذلك مما يحرم النظر إليه كعورات الناس، ليس لك أن تنظر عورات الناس ولا من خلال بيوتهم؛ لأنك ممنوع من ذلك.
وهكذا يجب عليك أن تحذر الاعتقادات الباطلة، بل يجب أن تنزه قلبك وعقلك عما حرم الله، فلا تعتقد ما حرم الله عليك من حل ما حرم الله، أو اعتقاد عدم وجوب ما أوجب الله، أو عمل بقلبك لما حرم الله، كاعتقاد -مثلاً- أن الزنا حلال هذا من مرض القلب، وهو كفر نسأل الله العافية، وهكذا اعتقاد أن شرب الخمر حلال هذا من مرض القلب وهو كفر أكبر نسأل الله العافية.
وهكذا سوء ظنك بالله وسوء ظنك بإخوانك من غير دليل أيضاً من أمراض القلب، وهكذا قنوطك من رحمة الله وأمنك من مكر الله كلها أعمال قلبية خطيرة منكرة من كبائر الذنوب، وهكذا النفاق مرض قلبي، كونك تظهر الإسلام وتعتقد الكفر في الباطن في القلب تعتقد أن الرسول ليس بصادق، أو أن الدين ليس بحق أو ما أشبه هذا من اعتقادات أهل النفاق.
والخلاصة: أن السمع والبصر والفؤاد كلها يجب أن تصان عما حرم الله، عليك أن تصون سمعك عما حرم الله، وبصرك عما حرم الله، وقلبك عما حرم الله، وأن تنظر وتسمع لما ينفعك ويرضي الله عنك، أو ما أباح الله لك، وتعتقد في قلبك ما شرعه الله وما أباح الله، تعمل بذلك كحب الله ورسوله.. خوف الله ورجائه، كل هذه أعمال قلبية مفروضة، حسن الظن بالله، اعتقاد أنه الواحد الأحد المستحق للعبادة، واعتقاد ما أوجب الله عليك كالصلاة والصوم تعتقد هذا بقلبك أن الله أوجب الصلاة على المكلفين من المسلمين، أوجب الزكاة لمن لديه مال فيه الزكاة، أوجب صوم رمضان لمن استطاع ذلك، أوجب الحج على من استطاع ذلك وهكذا.
وأنت مسئول عن هذه كلها يوم القيامة فإن كنت حافظت عليها وصنتها سلمت وحمدت العاقبة، أما إن كنت أسأت التصرف ولم تصنها عما حرم الله فإنك على خطر عظيم، وفيه تفصيل كما تقدم. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً ونفع بعلمكم. 
فتاوى ذات صلة