الجواب:
الحديث صحيح، رواه الشيخان، من حديث أم كلثوم -رضي الله عنها- بنت عقبة بن أبي معيط، أنها سمعت النبي يقول ﷺ: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرًا، وينوي خيرًا قالت: "ولم أسمعه يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس، وفي حديث الرجل لامرأته والمرأة لزوجها" رواه مسلم بهذه الزيادة.
فهذا يدل على أن المصلح بين الناس ليس بكذاب، الذي يصلح بين الناس: بين القبيلتين، أو بين الأسرتين، أو بين شخصين تنازعا فأصلح بينهما وكذب فإن هذا لا يضره؛ لأنه أراد الإصلاح فإذا أتى إحدى القبيلتين أو إحدى الأسرتين أو أحد الشخصين فقال له قولًا طيبًا عن صاحبه، وأنه يرغب في الصلح، وأنه يثني عليك، وأنه يحب مصالحتك، ثم جاء الآخر وقال له كلامًا طيبًا حتى أصلح بينهما فهذا طيب؛ لأنه لا يضر أحدًا بذلك، ينفع المتنازعين، ولا يضر أحدًا، وهكذا إذا جاء الأسرة وقال عن الأسرة الثانية: إنها تثني عليك، وإنها تدعو لك، وإنها تحب المصالحة معك، ولم يقع هذا، ولكن هو كذب هذا الشيء ليصلح بينهما، هو مأجور في هذا، ولا شيء عليه، وهكذا بين القبيلتين جاء القبيلة وقال: إن القبيلة الفلانية تثني عليكم، وتدعو لكم، وترغب الإصلاح، ثم أتى الأخرى وقال لها مثل ذلك، حتى سعى بينهما بالصلح، وإزالة الشحناء هو مأجور بذلك، إذا كان كذبه لا يضر أحدًا غيرهم، لا يضر أحدًا من الناس، وإنما ينفعهم ويجمعهم، ويزيل الشحناء بينهم، فهو مأجور، وليس بكذاب كذبًا يضره، أو يأثم به.
الخصلة الثانية في الحرب إذا كان في الحرب بأن قال للغزاة: إنا قافلون غدًا؛ لينظر، قافلون: يعني: منصرفون راجعون لينظر ماذا عند العدو؟ إذا سمع خبر القفول؛ لعله يخرج من حصونه، لعله يتبين له شيء يعينه على الجهاد، ولينظر ما عند الجيش من النشاط والهمة العالية، أو عدم النشاط في الحرب، فإذا كذب لمصلحة فلا بأس بذلك في الحرب؛ لأنه يفيد، الحرب خدعة.
وهكذا لو قفل راجعًا وقال: إنا راجعون، حتى يخرج العدو من حصونه، ومن مترساته حتى يبرز، ثم يكر عليهم المسلمون ويقاتلونهم إذا برزوا هذا أيضًا لا بأس به، كذب فيه مصلحة للمسلمين، فلا يضر ذلك.
وكان النبي ﷺ إذا أراد غزوة ورى بغيرها، حتى يهجم على العدو، وهو على غرة إذا أراد الشمال مثلًا، قال: إنا سوف نغزو الجنوب، ونغزو جهة الغرب، جهة الشرق، حتى لا يستعد له العدو، حتى يهجم عليهم على غرة إذا كانوا قد بلغوا ودعوا إلى الله وأصروا فلا بأس أن يهاجموا على غرة.
أما الثالثة فهي: حديث الرجل امرأته، والمرأة زوجها لا بأس بذلك، فإن الرجل مع زوجته قد يحصل بينهما مشاكل ونزاع عند ملابس أو طعام أو زيارة، أو ما أشبه ذلك، فيقول لها: سوف أفعل كذا وكذا، سوف أشتري لك كذا، وسوف أفعل كذا مما يرضيها، حتى يزول النزاع وحتى تزول الشحناء، أو تقول هي كذلك: سوف أفعل كذا، سوف لا أخرج إلا بإذنك، وهي عازمة أنها سوف تخالفه، لكن تريد أن يرضى، أو سوف أنفذ ما قلته في كذا وكذا وكذا، وإن كان في اعتقادها، وفي عزمها ألا تنفذ، لكن تريد أن تكسب رضاه، حتى تزول الشحناء والعداوة فلا بأس بهذا؛ لأن هذا كذب لمصلحتهما لا يضر غيرهما، فإذا كان كذبهما في مصلحتهما، ولا يضر غيرهما فلا حرج فيه، كما قاله النبي ﷺ؛ لأنه إصلاح محض ليس فيه مضرة على أحد، نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.