الجواب:
تقدم السؤال هذا في الجمعة الماضية فيما يغلب على ظني، وتقدم الجواب عن هذا، وأنه يحتاج إلى تفصيل؛ لأن الحكام الذين يحكمون بغير الشريعة قد يكونون يزعمون أنهم مضطرون، وأن شعوبهم أو دولًا أخرى تضطرهم إلى هذا، وأنهم يؤمنون بأن عملهم باطل، وأنه منكر، وأنه معصية، ولكنهم اضطروا إليه، وفعلوه كما يفعل سابقًا شيوخ القبائل يحكمون قوانين أسلافهم، فهؤلاء الذين حكموا القوانين الوضعية إذا كانوا يرونها جائزة.
تقدم نعم في الجمعة الماضية إذا كانوا يرون أن هذه القوانين جائزة، وأنها أفضل من الشريعة، أو أنها تساوي الشريعة؛ فهم كفار بهذا، في جميع الأحوال الثلاثة؛ لأن القوانين تارة يعتبرها أصحابها أنها أفضل من الشريعة، وتارة يعتقدونها مثل الشريعة إذا حكمها، أو حكم الشريعة كله واحد، وتارة يعتقدون أن الشريعة أفضل، وأولى، لكن هذه جائزة، ولا بأس بتحكيم القوانين الوضعية، والذي اعتقد هذا فهو كافر، مرتد عن الإسلام -نعوذ بالله- لأن من استباح ما حرم الله؛ فهو كافر، ومن تنقص شريعة الله؛ فهو كافر، ومن استهزأ بدين الله؛ فهو كافر: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ [التوبة:65] لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66] ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9].
المقصود: أن إباحة المحرم المعروف من الدين بالضرورة أنه محرم، كفر بالله، وردة عن الإسلام، كما أن تحريم ما عرف من الدين بالضرورة أنه حلال كفر بالله، وردة.
لو قال قائل: إن الغنم حرام، أو البقر حرام، أو الإبل حرام، أو اللبن حرام؛ فهو مرتد عن دين الله، بعدما يبين له أنه خاطئ، وأنه ظالم لنفسه، أو قال: إن الزنا حلال، أو الخمر حلال؛ فهو مرتد عن الإسلام، فالذي يقول: إن الشرك حلال أعظم في الكفر، وأشر، وأخبث.
فالحاصل: أن الذي يرى أن تحكيم القوانين التي تخالف شريعة الله في أمور الناس أنها جائزة، أو أنها مثل الشريعة، أو أنها أفضل من الشريعة هذا كافر عند جميع أهل العلم، وإنما الذي لا يكفر الذي قد يقع منه الحكم بغير ما أنزل الله، يحكم بعض القوانين، لكن يعتقد أنه ظالم، وأنه مخطئ، خاطئ في ذلك، وأنه عاص لربه، ولكن حكمها لأغراض، وأسباب، وهو يعلم أنه ظالم، فهذا قال فيه ابن عباس: إن هذا ليس كالشرك بالله، وليس كالظلم الأكبر، وقال فيه مجاهد، وطاوس، وجماعة: أنه ظلم دون ظلم، وكفر دون كفر.
فالحاصل: أنه إذا لم يعتقد إباحة ذلك، وإنما فعله ليعلم أنه عاص، وأنه ظالم لنفسه، وأن الواجب عليه تحكيم الشريعة؛ فإنه لا يكون كافرًا كفرًا أكبر، بل كفر أصغر، وظلم أصغر، وفسق أصغر، نسأل الله السلامة.