الدعاء الجماعي في عرفة لا أصل له والأحوط تركه

السؤال: ما حكم الاجتماع في الدعاء في يوم عرفة سواء كان ذلك في عرفات أو غيرها، وذلك بأن يدعو إنسان من الحجاج الدعاء الوارد في بعض كتب الأدعية المسمى بدعاء يوم عرفة أو غيره ثم يردد الحجاج ما يقول هذا الإنسان دون أن يقولوا آمين. هذا الدعاء بدعة أم لا؟ نرجو توضيح ذلك مع ذكر الدليل.

الجواب: الأفضل للحاج في هذا اليوم العظيم أن يجتهد في الدعاء والضراعة إلى الله ويرفع يديه؛ لأن الرسول ﷺ اجتهد في الدعاء والذكر في هذا اليوم حتى غربت الشمس وذلك بعد ما صلى الظهر والعصر جمعًا وقصرًا في وادي عرنة، ثم توجه إلى الموقف فوقف هناك عند الصخرات وجبل الدعاء، ويسمى جبل إلال، واجتهد في الدعاء والذكر رافعًا يديه مستقبلًا القبلة وهو على ناقته.
وقد شرع الله سبحانه لعباده الدعاء بتضرع وخفية وخشوع لله رغبة ورهبة، وهذا الموطن من أفضل مواطن الدعاء، قال الله تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]، وقال تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ [الأعراف:205].
وفي الصحيحين: قال أبو موسى الأشعري : رفع الناس أصواتهم بالدعاء. فقال رسول الله ﷺ: أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا بصيرًا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته[1].
وقد أثنى الله جل وعلا على زكريا في ذلك، قال تعالى: ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ۝ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ۝  [مريم:2-3]، وقال : وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]. والآيات والأحاديث في الحث على الذكر والدعاء كثيرة.
ويشرع في هذا الموطن بوجه خاص الإكثار من الذكر والدعاء بإخلاص وحضور قلب ورغبة ورهبة، ويشرع رفع الصوت به وبالتلبية كما فعل ذلك النبي ﷺ وأصحابه ، وقد روي عنه ﷺ أنه قال في هذا اليوم: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير[2].
أما الدعاء الجماعي فلا أعلم له أصلًا والأحوط تركه؛ لأنه لم ينقل عن النبي ﷺ، ولا عن أصحابه فيما علمت، لكن لو دعا إنسان في جماعة وأمنوا على دعائه فلا بأس في ذلك، كما في دعاء القنوت ودعاء ختم القرآن الكريم ودعاء الاستسقاء ونحو ذلك.
أما التجمع في يوم عرفة أو في غير عرفة فلا أصل له عن النبي ﷺ وقد قال ﷺ: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد[3] أخرجه مسلم في صحيحه، والله ولي التوفيق[4].
  1. رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) حديث أبي موسى الأشعري برقم 19102، والبخاري في (الدعوات) باب الدعاء إذا علا عقبه برقم 6348، ومسلم في (الذكر والدعاء) باب استحباب خفض الصوت بالذكر برقم 2704.
  2. رواه الترمذي في (الدعوات) باب في دعاء يوم عرفة برقم 3585.
  3. رواه البخاري معلقًا في باب النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم 1718.
  4. نشر في مجلة (الدعوة) العدد 1537 في 23/11/1416هـ، وفي كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج2 ص 267.  (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 17/ 272).
فتاوى ذات صلة