الجواب:
الاحتفال بالمولد هذا مما أحدثه الناس وليس مشروعًا، ولم يكن معروفًا عند السلف الصالح، لا في عهد النبي ﷺ ولا في عهد التابعين، ولا في عهد أتباع التابعين، ولا في القرون المفضلة، ولم يكن معروفًا في هذه العصور العظيمة وهي القرون الثلاثة المفضلة، وإنما أحدثه الناس بعد ذلك.
وذكر المؤرخون: أن أول من أحدثه هم الفاطميون الشيعة حكام مصر والمغرب، هم أول من أحدث هذه الاحتفالات، الاحتفال بالمولد النبوي وبمولد الحسين ومولد فاطمة والحسن وحاكمهم، جعلوا هناك احتفالات بعدة موالد، منها مولد النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو المشهور أنهم أول من أحدثه في المائة الرابعة من الهجرة، ثم حدث بعد ذلك من الناس الآخرين تأسيًا بغيرهم.
والسنة في ذلك عدم فعل هذا المولد؛ لأنه من البدع المحدثة في الدين، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، وقال عليه الصلاة والسلام: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد، والاحتفال قربة وطاعة، فلا يجوز إحداث قربة وطاعة إلا بدليل.
وما يفعله الناس اليوم ليس بحجة ما يفعله الناس في كثير من الأمصار في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من الاحتفال بالموالد مولد النبي ﷺ وتوزيع الطعام أو الحلوى أو قراءة السيرة في ذلك اليوم وإقامة الموائد كل هذا ليس له أصل فيما علمنا عن رسول الله ﷺ ولا عن أصحابه ، ولا عن السلف الصالح في القرون المفضلة، وهذا هو الذي علمناه من كلام أهل العلم.
وقد نبه على ذلك أبو العباس ابن تيمية رحمه الله شيخ الإسلام، ونبه على ذلك الشاطبي رحمه الله في الاعتصام بالسنة، ونبه على ذلك آخرون من أهل العلم وبينوا أن هذا الاحتفال أمر لا أساس له، وليس من الأمور الشرعية، بل هو مما ابتدعه الناس، فالذي ننصح به إخواننا المسلمين: هو ترك هذه البدعة وعدم التشاغل بها، وإنما حب النبي ﷺ يقتضي اتباعه وطاعة أوامره وترك نواهيه، كما قال الله سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، فليس العلامة على حبه أن نحدث البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان من الاحتفال بالمولد أو الحلف بالنبي ﷺ أو الدعاء والاستغاثة به أو الطواف بقبره.. أو ما أشبه ذلك، كل هذا مما لا يجوز، وليس من حبه ﷺ، بل هو من مخالفة أمره عليه الصلاة والسلام.
فحبه يقتضي اتباعه وطاعة أوامره وترك نواهيه والوقوف عند الحدود التي حدها عليه الصلاة والسلام، هكذا يكون المؤمن، كما قال الله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، قال : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال جل وعلا: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54].
ولو كان الاحتفال بالمولد أمرًا مشروعًا، لم يكتمه النبي ﷺ؛ فإنه ما كتم شيئًا، بل قد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، فلم يحتفل بمولده ولم يأمر أصحابه بذلك، ولم يفعله الخلفاء الراشدون ولا بقية الصحابة ، ولا التابعون وأتباعهم بإحسان في القرون المفضلة، فكيف يخفى عليهم ويعلمه من بعدهم، هذا مستحيل، فعلم بذلك أن إحداثه من البدع التي ما أنزل بها من سلطان.
ومن قال: إنه بدعة حسنة فهذا غلط لا يجوز؛ لأنه ليس في الإسلام بدع حسنة، والرسول عليه السلام قال: كل بدعة ضلالة، قال: كل بدعة ضلالة، وكان يخطب الناس يوم الجمعة ويقول: إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، فلا يجوز للمسلم أن يقول فيه: بدعة حسنة، يعني: يناقض النبي ﷺ ويعاكسه هذا لا يجوز للمسلم، بل يجب عليه أن يتأدب مع رسول الله ﷺ ويحذر مخالفة أمره ﷺ ومخالفة شريعته في هذا وغيره، فلما قال ﷺ: كل بدعة ضلالة، هذه الجملة جملة عامة صيغة عامة، تعم الموالد وغير الموالد من البدع.
وهكذا ما أحدثه بعض الناس من الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ليلة سبع وعشرين من رجب أو ليلة النصف من شعبان هذه أيضًا من البدع؛ لأن الرسول ﷺ ما فعلها ولا فعلها أصحابه، فتكون بدعة.
وهكذا جميع ما أحدثه الناس من البدع في الدين، كلها داخلة في هذا المعنى فليس لأحد من المسلمين أن يحدث شيئًا من العبادات ما شرعها الله، بل يجب على أهل الإسلام الاتباع والتقيد بالشرع أينما كانوا والحذر من البدعة ولو أحدثها من أحدثها من العظماء والكبار فالرسول ﷺ فوقهم، فوق جميع العظماء، وهو سيد ولد آدم، وهو الذي أوجب الله علينا طاعته واتباع شريعته، فليس لأحد أن يقدم على هديه هدي أحد من الناس، ولا طاعة أحد من الناس، ثم الله فوق الجميع ، وهو الواجب الطاعة، وهو الإله الحق ، وهو الذي بعث الرسول ﷺ يعلم الناس ويرشد الناس والرسول ﷺ هو المبلغ عن الله، الرسول ﷺ هو المبلغ عن الله .
فلو كان الاحتفال بهذه الأمور مما أمره الله به لم يكتمه، بل يبلغه؛ لأن الرسول ﷺ قد بلغ البلاغ المبين، وهكذا أصحابه لو كان بلغهم وأعلمهم لبلغوا أيضًا، فلما لم يأتنا هذا عنهم، علمنا يقينًا أنه من البدع التي أحدثها الناس، وأن الواجب على أهل الإسلام ألا يوافقوا على البدع، بل عليهم أن يسيروا على النهج الذي سار عليه الرسول ﷺ، وسار عليه أصحابه الكرام ، ثم أتباعهم بإحسان في القرون المفضلة، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.