حكم إسبال الثياب لغير الخيلاء

السؤال:

أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من الأخ أحمد محمود الوكيل من الدمام، أخونا يناقش في قضية سبق أن تفضلتم بالإجابة عنها فيقول سماحة الشيخ:

قال سماحتكم إن مسبل الإزار لا يشترط أن تكون نيته الكبر، وإن من علق الإسبال على الكبر فقد غلط في قول الرسول ﷺ: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، وقد ثبت أن العقوبات لمسبل الإزار دون قصد الخيلاء كعقوبة من يسبله بقصد الخيلاء؛ لأن عقوبة الحديث السابق عدم نظر الله إليه يوم القيامة، وقد قال الرسول ﷺ: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، قال الصحابة: خابوا وخسروا، من هم؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، ولم يعلق الإسبال بالكبر فكيف تكون عقوبة الإسبال بدون كبر كعقوبته بالكبر في الحديث الأول؟

وما يدل على ذلك أيضًا عندما قال الرسول ﷺ: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، فقال أبو بكر: يا رسول الله! إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده، فقال له الرسول ﷺ: إنك لست ممن يفعله خيلاء رواه البخاري، وهنا نفى الرسول ﷺ العقوبة عن أبي بكر ؛ لأنه لا يفعله خيلاء، فما تقولون يا سماحة الشيخ بارك الله فيكم ورحمنا وإياكم إنه هو الغفور الرحيم؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد صحت الأحاديث التي ذكرت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكلها دالة على تحريم الإسبال، وأنه إذا كان عن خيلاء لم ينظر الله إلى صاحبه يوم القيامة، وجاءت أحاديث أخرى ليس فيها هذا القيد، كالحديث الذي ذكرت، وهو حديث أبي ذر عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان فيما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب .

وهكذا ما رواه البخاري في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار ولم يقيد بالخيلاء، والحديث الآخر حديث ابن عمر: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا منافاة بين الأحاديث، وهكذا قصة أبي بكر حيث قال له النبي ﷺ: إنك لست ممن يفعله خيلاء.

ووجه الجمع بين ذلك: أن من جر ثوبه خيلاء فيه الوعيد الصريح الشديد، ومن أسبل ثيابه أطلق النبي ﷺ فيه الوعيد أيضًا.

والسر في ذلك والله أعلم: أن الغالب على المسبلين هو قصد الخيلاء والتكبر والترفع على الناس، وهذه نية محلها القلب لا يعلمها إلا الله  وقد يصرح المسبل بما يدل على قصده الخيلاء والتكبر، وإذا لم يصرح فالعلم بذلك إلى الله ، فهو تظاهر بمظهر أصحاب الخيلاء فالواجب منعه من ذلك وأمر قلبه إلى الله .

فعلى المسلمين أن يمنعوا ما منعه الرسول ﷺ من الإسبال، وإذا قال: إنه لم يقصد الخيلاء فأمره إلى الله لكنه أظهر مظهر أصحاب الخيلاء وخالف الرسول فيما نهى عنه عليه الصلاة والسلام فوجب منعه ويعمه الخبر في قوله ﷺ: ثلاثة لا يكلمهم الله، وفي قوله ﷺ: ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار لعدم القيد، وكونه قيد في بعض الروايات لا يدل على قيد الروايات الأخرى؛ لأن تقييد بعض أفراد العام لا يقيد جميع أفراده كلها بل يكون صاحب القيد أشد في العذاب وأشد في النكال إذا كان عن خيلاء، وإذا جره عن غير خيلاء فالمنع عام والعقوبة عامة والوعيد عام لكن لا يلزم أن يكونوا في العقوبة سواء.

فمن كان قصده الخيلاء فإن عقوبته تكون أشد، ومن لم يقصد ذلك وإنما تساهل وجر ثوبه ولم يبال فإنه تعمه الأحاديث ولا يلزم أن تكون عقوبته مثل عقوبة ذاك، فقد تكون العقوبة أخف؛ لأنه لم يقصد الخيلاء لكن المنع عام للجميع والتحريم عام للجميع.

أما الصديق فإنه لا يتعمد جر ثوبه وإنما يتفلت عليه الثوب ويسترخي من غير قصد فلم يدخل في هذا الوعيد، بخلاف الذي يتعمد إسبال ثيابه.. إسبال سراويله.. إسبال بشته.. إسبال إزاره فإن هذا يعمه الوعيد لتعمده الباطل، أما من ينفلت عليه ثوبه ويسترخي عليه ثوبه في بعض الأحيان من غير قصد بل لخلل فيما حصل من رفع الثوب أو لأسباب أخرى حصل بها الخلل حتى انسحب ثوبه فهذا لا يعمه الخبر لكونه لم يقصد ولم يتعمد وإنما حصل له ذلك من غير قصد، كاسترخاء الثوب الذي قد خبن عليه وربط ولكن حصل به خلل فاسترخى، أو لشق فيه حصل بسببه الارتخاء أو لغير هذا من الأسباب.

وبهذا يتضح أن الإسبال ممنوع ومحرم لعموم الأحاديث، وأما العقوبة فهي متفاوتة ولا يلزم أن تكون متساوية فإنه ليس من قصد الخيلاء كمن لم يقصد، هذا أمر معلوم ولكن الجميع ممنوعون وليس لهم سحب ثيابهم ولا بشوتهم ولا سراويلهم، بل يجب أن يرفعوا ذلك وأن لا تكون أنزل من الكعب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار هذا أصل أصيل يجب التمسك به.

ولا يجوز أن يقال: إن مفهوم حديث ابن عمر من جر ثوبه خيلاء أنه يجيز لنا ما سوى ذلك، هذا لا يجوز بل يجب سد الباب وحماية المسلمين من هذا الفساد ومن هذا الإسراف، وأخذ العموم من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام لعل المسلم يرتدع عن هذا الجرم ويبتعد عن هذا السبيل الخطير الذي يورده النار ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية. نعم.

المقدم: اللهم آمين.

فتاوى ذات صلة