الجواب:
الحجاب عن الأعمى لا يجب، ولا يلزم، وليس بمشروع، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال لفاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- لما طلقها زوجها: اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك، فلا يراك.
أما ما يروى عنه ﷺ أنه قال في بعض أنواع الحوادث التي وقعت في عهده ﷺ أن ابن أم مكتوم دخل عليه وعنده زوجتان من زوجاته، فأمرهما بالحجاب، فقالتا: إنه لا يبصرنا، فقال: أوعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ فهو حديث لا يصح، بل هو شاذ، ومخالف للأحاديث الصحيحة، وإن حسنه الترمذي وصححه، لكنه في هذا الموضع الصواب أنه ليس بحسن ولا صحيح، بل هو مخالف للأحاديث الصحيحة الدالة على الكشف عن الأعمى، وعدم وجوب الحجاب عنه.
ومما يدل على ذلك ما بينا من حديث فاطمة بنت قيس أن النبي ﷺ أمرها أن تعتد عند ابن أم مكتوم، قال لها: إنه رجل أعمى، تضعين ثيابك فلا يراك رواه مسلم في الصحيح، ومنها ما ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: إنما جعل الاستئذان من أجل النظر.
فالذي لا ينظر لا يجب الاستئذان عليه من أجل أنه لا يرى ما أمامه، وأما حديث أوعمياوان أنتما المتقدم فهو من طريق شخص ليس بثابت ثقته وعدالته، وهو نبهان مولى أم سلمة، ليس من المعروفين بالعدالة والثقة، ثم لو فرضنا أنه من المعروفين بالثقة والعدالة، فإن خبره شاذ، مخالف للأحاديث الصحيحة، والقاعدة: أن الحديث الذي سنده صحيح إذا خالف ما هو أصح منه حكم عليه بأنه شاذ، كما قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- وهو أيضًا من أئمة الحديث في مصطلح الحديث، فإن خولف بأرجح، يعني: خولف الحديث بأرجح منه، وكلاهما ثابت، فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ، فالمرجوح يقال له: شاذ، لا يعمل به، والراجح يقال له: محفوظ، وعليه العمدة.
وكشف الرأس حال القراءة لا حرج في ذلك، والتعبد بتغطية الرأس عند القراءة لا نعلم لها أصلًا، فالقارئة إن شاءت غطت رأسها، وإن شاءت كشفته حال القراءة، لا بأس بذلك إذا كان ما عندها أجنبي في بيتها وحدها، أو عند زوجها، أو عند بعض النساء لا حرج في ذلك، وهكذا عند الأعمى لا يجب عليها تغطية الوجه، ولا تغطية الرأس؛ لأنه لا يرى هذا ولا هذا، وإنما يجب ذلك إذا كان عندها أجنبي ليس محرمًا لها وهو يبصر، نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.