الجواب:
والجواب: لا ريب أن المسجد المذكور سوف تتعطل مصلحته إذا ارتحل المسلمون عن الحي الذي هو فيه، وإذا تعطلت منفعة الوقف سواء كان مسجدًا أو غيره جاز بيعه في أصح أقوال العلماء، وتصرف قيمته في وقف آخر بدل منه، مماثل للوقف الأول حيث أمكن ذلك. وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه أمر بنقل مسجد الكوفة إلى مكان آخر لمصلحة اقتضت ذلك.
فتعطل المنفعة أولى بجواز النقل، والمسألة فيها خلاف بين العلماء، ولكن القول المعتمد جواز ذلك؛ لأن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأمرت بحفظ الأموال ونهت عن إضاعتها، ولا ريب أن الوقف إذا تعطل لا مصلحة في بقائه، بل بقائه من إضاعة المال. فوجب أن يباع ويصرف ثمنه في مثله، إلا أن يكون بيع بعضه يكفي لإصلاحه، فإنه يباع بعضه، ويصرف ثمنه في إصلاح الباقي.
أما هذه الصورة المسئول عنها، فلا يمكن حصول المنفعة إلا ببيع الجميع، فيباع المسجد كله على حاله من دون نقص، ويصرف ثمنه في عمارة المسجد الجديد في الحي الذي تحول إليه المسلمون، وإذا بيع زال عنه حكم المسجد، وصار كسائر البقاع، يجوز اتخاذه مزرعة وحوانيت ونحو ذلك، وانتقل حكم المسجد إلى المسجد الجديد.
وأما إزالة ما يدل على أنه مسجد بعد العزم على بيعه، كالمئذنة ونحوها، فلم أقف فيه على كلام لأحد من أهل العلم، والأقرب -والله أعلم- أن إزالة ذلك أولى، ولا سيما إذا كان بين الكفرة؛ لأنهم قد يقصدون إغاظة المسلمين بامتهانه؛ نظرًا إلى أنه كان مسجدًا، وإن كان حكمه قد زال، ولكنهم لا ينظرون إلى الأحكام، ولكنهم ينظرون إلى الصورة الظاهرة، فإذا أزيلت أمارات المسجد البارزة، كالمئذنة والمحراب، زال هذا المحذور. والله أعلم.
ونسأل الله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، ويولي عليهم خيارهم، ويرفع شأنهم في كل مكان، وأن يذل أعداء الإسلام، ويكفي المسلمين شرهم؛ إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه[1].
نائب رئيس الجامعة
الإسلامية بالمدينة المنورة
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
- استفتاء مقدم لسماحته، عندما كان نائبًا لرئيس الجامعة الإسلامية، وأجاب عنه سماحته برقم: 3146. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 20/10).