حكم التشبه بأهل الكتاب والاحتفال بأعيادهم واعتقاد صحة دينهم

السؤال:

سماحة الشيخ نشرت جريدة الجزيرة في عددها الصادر هذا اليوم الخميس 15/3 في زاوية هوامش صحفية مقالاً كتبه أحد الكتاب حامد العطاس، وهو بعنوان: (بين مولدين وحضارتين) يقول فيه: "نحن أمام تحولين تاريخين لإنسانين عظيمين غيرا وجه التاريخ، ووجها أمتين عظيمتين" يعني بذلك محمد، وعيسى إلى آخر هذا الحديث، وقال: "ليعانقا، ويؤكدا تلاؤم الديانتين العظيمتين، المسيحية والإسلام.." ما رأي سماحتكم في هذا الكلام؟ 

الجواب:

نراجع الجريدة -إن شاء الله- ونشوف ماذا كتب، لكن نبين الآن أن الاحتفال بالموالد من البدع التي أحدثها بعض الناس، ولم يكن لها أصل في الشريعة، ولا في عهد النبي ﷺ ولا في عهد أصحابه، ولا في عهد القرون المفضلة، القرن الأول، والثاني، والثالث، وإنما أحدث بعد ذلك. 

فالاحتفال بالموالد ليس له أصل، بل هو من البدع، وقد قال النبي ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد وقال -عليه الصلاة والسلام-: وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة وقال -عليه الصلاة والسلام-: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد فينبغي العلم بهذا، والاحتفال بالمولد المسيحي هذا من أعمال النصارى، وهو منكر، ومع ذلك فعله تشبه بالنصارى، ونحن منهيون عن التشبه بأعداء الله، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: من تشبه بقوم فهو منهم فليس لنا أن نتشبه بالنصارى، ولا باليهود، ولا بغيرهم من الكفرة؛ فلنحذر صفاتهم، وأخلاقهم، ولا نتشبه بهم في ذلك، إلا ما كان من ديننا، وشرعنا فإننا نعمل به، ولو وافق شيئًا عندهم، أما شيء هم يعملونه من عندهم، ثم يدعون أنه من دينهم، أو مما أحدثوه فليس لنا أن نتشبه بهم في ذلك، بل يكفينا دين نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- فإن الله جعله رحمة للعالمين، وجعل شريعته ناسخة لجميع الشرائع، أما الإسلام فهو دين الأنبياء كلهم، دين الرسل أجمعين، ولكن شريعة محمد ﷺ هي آخر الشرائع، وهي ناسخة لجميع الشرائع، وفيها الزيادة على الشرائع السابقة، ونسخ لبعض ما في الشرائع السابقة.

ولا يجوز أن نحدث احتفالًا بالمولد؛ لأن النصارى أحدثوا احتفالاً بمولد عيسى، وليس لنا أن نتشبه بهم في الموالد، ولا غير الموالد، فالنصارى واليهود أحدثوا بدعا كثيرة، وغيروا دينهم، وضيعوا دينهم بسبب البدع من اليهود والنصارى، وغيرهم، والرسول حرم علينا ذلك، ونهانا أن نتبع سننهم، وطريقهم، وأخبرنا أن الأمة في آخر الزمان تتبع سبيلهم، وتتبع طريقهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا من شاء الله إلا من هدى، والواقع شاهد بذلك، وصحة ما قال -عليه الصلاة والسلام- وهو علم من أعلام نبوته أنه أخبر أن الناس في آخر الزمان يتبعون اليهود، والنصارى، وقد وقع ذلك، إلا من شاء الله.

فليس لنا أن نتابعهم، وليس أن نتأسى بهم في أخلاقهم الضالة، ولا في أعمالهم السيئة ولا في بدعهم، بل يكفينا أن نأخذ بديننا، ونتمسك بديننا، وأن نحذر ما يخالفه، والله يقول سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3] فقد أكمل لنا الدين فلسنا في حاجة إلى بدع من أحد، ديننا كامل في حياته ﷺ قد أكمله الله لنا، فلسنا في حاجة إلى بدع تأتي من الشرق والغرب، ولا من اليهود، ولا من النصارى، ومن أحدث البدع فهو في المعنى يتنقص هذا الدين، ويرى أنه في حاجة إلى كمال، في حاجة إلى زيادة، فقد أوتي من حيث لا يدري.

فالبدع زيادة في الدين لم يأذن بها الله، والله يقول سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ [الشورى:21] ويقول النبي ﷺ: إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وهذا المسكين الذي كتب هذه الكتابة حمله الجهل، وقلة البصيرة. 

وأما دين المسيحية فقد نسخ، فهو دين باطل، الآن ليس بدين صحيح، كان صحيحًا لما كان على طريقة عيسى -عليه الصلاة والسلام- ولم يُزد فيه، فلما حرفوا، وغيروا، وبدلوا؛ صار دينًا ملتبسًا، لا يجوز التعلق به إلا ما كان مما أوحى الله إلى عيسى، وكان عليه عيسى -عليه الصلاة والسلام- فالذين تمسكوا بما كان عليه عيسى، وأخذوا به، ودانوا به كانوا على الحق حتى بعث الله محمدًا ﷺ فلما بعث الله محمدًا ﷺ وجب اتباعه، وليس لأحد أن يتبع شريعة عيسى، ولا موسى، ولا غيرهما، ولو كان موسى، وعيسى حيين؛ للزمهما اتباع محمد، عليه الصلاة والسلام. 

فلا يجوز لأحد من النصارى، ولا من اليهود أن يبقى على دين عيسى، أو دين موسى، بل يلزمهما جميعًا أن يدخلا في دين محمد -عليه الصلاة والسلام- لأن الله قال: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف:158] وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سبأ:28] وقال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

فهو مرسل للجميع، فليس لأحد أن يخرج عن  دين محمد -عليه الصلاة والسلام- لا من اليهود، ولا من النصارى، ولا من غيرهم.

وقال عليه الصلاة  والسلام: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي، ولا نصراني، ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار فمن بلغه دعوة محمد ﷺ ولم يؤمن بها حتى مات؛ صار من أهل النار -نعوذ بالله- سواء كان يهوديًا، أو نصرانيًا، أو غير ذلك.

والمقصود: أن دين اليهودية، ودين النصرانية، والبوذية كلها أديان باطلة، كالوثنية سواء، وكالشيوعية، وأشباهها، كلها أديان باطلة، تعلق بها الكفرة، وهي أديان باطلة، لا تسمن، ولا تغني من جوع، بل تورد أهلها إلى النار -نعوذ بالله- وليس هناك دين صحيح، دين حق في الدنيا إلا دين الإسلام الذي بعث الله به محمد -عليه الصلاة والسلام- وجميع الأديان كلها باطلة، قال سبحانه: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]. 

واليهود ليسوا على الإسلام، والنصارى ليسوا على الإسلام، بل فارقوه من حين خالفوا موسى، وعيسى -عليهما الصلاة والسلام- ثم بعد ذلك كفروا بمحمد -عليه الصلاة والسلام- ولم يؤمنوا به؛ فصاروا كفارًا بعد كفر سابق، اليهود كفروا بإنكار عيسى، والنصارى كفروا بقولهم: إن عيسى ابن الله، ثم جاءهم كفر آخر، وهو إنكارهم لمحمد -عليه الصلاة والسلام- وعدم إيمانهم بهم.

فمن زعم أن الديانة المسيحية، أو اليهودية ديانة حق؛ فقد ضل، وكفر -نسأل الله العافية- من يقول: إن المسيحية حق، أو اليهودية حق؛ فهو كافر ضال اليوم، أما ما كان في عهد موسى الذين اتبعوه، ولم يحرفوا فهؤلاء على دين حق، لكن ذهبوا، وانقرضوا، ومن كان على عهد عيسى، وآمن به في وقته، وأخذ بما جاء به؛ فهو على دين حق، ولكن ذهبوا، وانقرضوا.

أما الموجودون اليوم الذين كذبوا عيسى كاليهود أو كذبوا محمدًا ﷺ كاليهود، والنصارى فهؤلاء كلهم كفار بإجماع أهل العلم، والإيمان، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فتاوى ذات صلة