حكم الاستعانة بالكفار في مصلحة المسلمين

السؤال: 

أرجو من سماحتكم توضيح بعض النقاط التالية:
أولًا: استدلَّ مجلس الإفتاء الأعلى بحضور سماحتكم بشأن تواجد القوات الأمريكية بحديث عبدالله بن أريقط الذي استعان به الرسولُ ﷺ كدليلٍ إلى المدينة، وقد سمعتُ من أحد المشايخ أن الاستدلال خاطئٌ؛ لأنه يُعتبر من الاستئجار، وليس من باب الاستعانة به ضدّ المُسلمين -أو ضد الكافرين لعله- أرجو التوضيح، جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

هذا غلطٌ، هو استعانة ولو ما استأجره، هو استعانة بكافرٍ حتى يدله على الطريق المناسب إلى المدينة، فالاستعانة إذا دعت الحاجةُ إليها، سواء بأجرٍ أو بغير أجرٍ، فالذي قال: إنه إجارة، وجوَّزه من أجل الإجارة، هذا غلطٌ، الاستعانة بالمشركين إذا جازت في الإجارة جازت بغير الإجارة من باب أوْلى، فالاستعانة بهم في مصلحة المسلمين مع أمن الخطر هذا جائز، بأجرٍ أو بغير أجرٍ، لو قال: تُعينني على هذا الأمر -على صدِّ هذا الصائل- ولك مئة ريـال جائز، ولو أعانه بدون شيءٍ جائز.
فهذا كونه استأجره بدراهم لا يمنع الإعانة، وكونهم يُقاتلون معنا ويُعطون -يُرْضَخ لهم شيء- مساعدةً لهم على مُساعدتهم لنا لا بأس بهذا، هي استعانة، ولو أعطاه أجرةً؛ لأنه استعان به حتى يدله على الطريق.
وهكذا كونه ﷺ يعرض نفسَه على مجتمعات الكفار في مِنى ليُجيروه حتى يُبلِّغ رسالة ربه، هذه استعانة بهم، فلم يقبل هذا إلا الأنصار وأرضاهم، واستجار بجماعةٍ فأبوا، فلم يقبل إلا المطعم بن عدي، فأجاره وحمل السلاح حتى حماه من شرِّ الأعداء، ونفذوا جواره، وهذه استعانة قبل بدر، وهكذا بعد بدر استعان بدروع من صفوان بن أمية يوم حنين، واستعان باليهود في خيبر سنة سبعٍ من الهجرة، وجعل إليهم أموال المسلمين: يعمرون النَّخيل والزروع بالنصف في مصلحة المسلمين، وهم يهود، استعان بهم في مصلحة المسلمين بالنصف.
فالاستعانة بأجرٍ أو بغير أجرٍ جائزة إذا دعت الحاجةُ إليها والمصلحة، عند الضَّرورة، وعند الحاجة الشديدة. 
وإذا أغنى الله عنهم؛ لم تجز الاستعانةُ بهم، والنبي ﷺ حين ردَّ بعض المشركين يوم بدرٍ لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان في حاجةٍ إليه، فردَّه لأسبابٍ، واستعان بهم لأسبابٍ.
والأحاديث ما يُضرب بعضُها ببعض، الأحاديث يجب أن يُجمع بينها، ويُوفَّق بينها، ويُحتج بها جميعًا، فإذا دعت الحاجةُ أو الضَّرورة استُعين به، وإذا لم تدع الحاجةُ كما فعل النبيُّ يوم بدر حين ردَّه وقال: لا نستعين بمُشْرِكٍ، يرده.
وهو ﷺ استعان بالمشرك في قدومه من الطائف، وفي ذهابه إلى المدينة من طريق عبدالله بن أُريقط، كلها استعانة، سواء بأجرةٍ أو بغير أجرةٍ، فإذا قلنا لهم -مثلًا للكافر المعين- ساعدنا على محاربة صَدَّام، وأعنا على صدام، ونُعطيك كذا وكذا كل يومٍ، هذه استعانة بأجرٍ، وإذا قال: لا أريد أجرًا؛ فمن باب أوْلى.
هذا غلطٌ في الدعوى: أنها إجارة، هي إجارة، لكنها استعانة مع أنها إجارة، وهكذا فعل المسلمون عند الحاجة، إذا دعت الحاجةُ والضَّرورة وجب دفع الشرِّ بالممكن، سواء كان بمسلمٍ أو كافرٍ أو عاصٍ أو منافقٍ عند الضَّرورة، بشرط مراعاة السلامة، وأن الغالب السلامة والنفع بهذا المستعان به ضد العدو المستعان عليه.
بعض الأئمَّة قال: إن الاستعانة بالمشرك منسوخة، كما قال الشافعي وجماعة، قالوا: إنها منسوخة، وأن النبي استعان بهم بعد ذلك.
وقال آخرون: لا، ليس بنسخٍ، ولكن هذا في محلِّه، وهذا في محله، وهو الصواب.
الصواب عدم النسخ؛ لأنه لا دليلَ على النسخ، والجمع بين النصوص أوْلى من النسخ، فيجوز عند الحاجة، ولا يجوز عند عدم الحاجة، وهذا الجمع بين الأحاديث وبين كلام أهل العلم رحمهم الله.
فتاوى ذات صلة