حكم رفع اليدين بعد الفريضة للدعاء

السؤال:

أناس من باكستان، وهؤلاء يرفعون أيديهم بعد الفريضة، فقال لهم الإمام هذه بدعة، ولكنهم قالوا: إن رفع الأيدي بعد صلاة الفريضة سنة في مذهب أبي حنيفة، ولم ينتهوا، واستمروا على ذلك، فما المخرج؟

الجواب:

ما من مذهب من مذاهب العلماء إلا وفيه بعض الأخطاء، كل عالم يخطئ ويصيب، ليس معصومًا، أبو حنيفة عالم من العلماء، والشافعي عالم من العلماء، ومالك عالم من العلماء، وأحمد بن حنبل عالم من العلماء، والأوزاعي عالم من العلماء، والثوري عالم من العلماء، وهكذا العلماء كثيرون من السلف، والخلف، كل واحد قد يقع له أخطاء، وأغلاط حسب اجتهاده؛ لأنه قد يفوتهم بعض العلم، قد يفوتهم بعض الأحاديث، فلا يقال: إن كل ما قاله عالم يكون حقًا، لا، أقوال العلماء تعرض على الكتاب والسنة، أقوالهم تعرض على كتاب الله، وعلى سنة رسوله محمد -عليه الصلاة والسلام- فما وافقهما، أو أحدهما؛ فهو الحق، وما خالف الكتاب، أوالسنة، أو خالفهما جميعًا؛ فهو باطل، وإن قاله عالم من العلماء.

فرفع اليدين بعد الصلاة إن ثبت أن أبا حنفية قاله، إن ثبت؛ لأن ما كل يفعله أصحابه يكون من قوله، لكن إن ثبت أنه قاله، أو قاله بعض أئمة الحنفية؛ فإن هذا غلط، هذا يكون من الأغلاط التي وقعت له؛ لأن الرسول ﷺ وأصحابه ما فعلوا هذا، الرسول ﷺ ما كان إذا سلم في الظهر، أو في العصر، أو في المغرب، أو العشاء، والفجر رفع يديه، ويدعو ما كان يفعل هذا النبي ﷺ. 

وفعل النبي محفوظ، نقله العلماء، نقله المحدثون، والرواة، وبينوا لنا أنه كان إذا سلم يقول: أستغفر الله ثلاثًا، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يلتفت إلى الناس، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، هكذا نقل الرواة، رواه الصحابة عن النبي ﷺ ولم يقولوا -وهم أعلم الناس بالسنة- ما قالوا: إنه يرفع يديه بعد السلام ... شيء رأوه إلا بينوه لنا، بينوا ما ترك، وبينوا ما فعل -عليه الصلاة والسلام- وهم الأمناء.

فلم يذكروا أنه كان بعد السلام يرفع يديه، يدعو، ويدعو الناس معه، ولو كان ذلك واقعًا لما أهملوه، بل نقلوه، فتركه حجة، ونقله حجة، وما تركوا شيئًا حتى الصغير نقلوا أنه كان إذا جلس في التشهد يقبض أصابعه، ويشير بالسبابة، وربما حلق إبهامه، وأشار بالسبابة -عليه الصلاة والسلام- ونقلوا أنه كان إذا سلم التفت عن يمينه، وعن شماله. 

ونقلوا أنه لما رأى الناس يشيرون بأيديهم عند السلام؛ نهاهم، وقال: لا تشيروا بأيديكم كأذناب خيل شمس وأمرهم أن يطمئنوا في صلاتهم، وبينوا أنه كان إذا جلس بين السجدتين وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، واليسرى على فخذه اليسرى، وربما وضعهما على ركبيته، كل شيء بينوه -رضي الله عنهم وأرضاهم- ولم يبينوا، ولم يقولوا: إنه كان يرفع يديه بعد ما يسلم من صلوات الفريضة، فعلى هذا يكون عمل الحنفية، أو من عمله منهم يكون خطأ، يكون مخالفًا للسنة، فلا ينبغي التعود عليه. 

وهكذا ما جاء عن أبي حنيفة من عدم الرفع عند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول، هذا ما يفعله الأحناف فاتتهم السنة في هذا، فلا يقتدى بهم في هذا، السنة حاكمة على الناس، النبي ﷺ كان يرفع يديه عند الإحرام هكذا، وعند الركوع هكذا، وعند الرفع من الركوع هكذا، يرفع يديه، وعند القيام من التشهد الأول للثالثة يرفع يديه، كما قاله أهل العلم، وبينه الصحابة، وثبت عن النبي ﷺ أنه كان يرفع يديه حيال منكبيه، وربما رفعهما حيال أذنيه في التحريمة، أول ما يكبر، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام للتشهد الأول. 

وقد خفي هذا على الأحناف، وعلى بعض أهل العلم، فلم يقولوا بسنيته، ولكن علمه من علمه من أهل السنة، وعلمه العلماء، والعارفون بسنة النبي ﷺ وبينوا أنه مشروع، وأنه سنة، وإن خالف في هذا من خالف.

القاعدة: أن ما يقوله بعض العلماء، أو يقوله كثير من العلماء، ويخالف فيه الآخرون الحاكم فيه كتاب الله، وسنة الرسول ﷺ لأن الله قال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، وقال سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ[الشورى:10]. 

فما تنازع فيه الناس يحكم فيه الله، ورسوله، يرد إلى القرآن، والسنة، فما وافقهما، أو أحدهما فهو الحق، وما خالفهما رد على قائله، وإن كان عظيمًا، وإن كان رجلًا عظيمًا، وإن كان كبيرًا، فالسنة، والحق أعظم من ذلك، وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ...

فتاوى ذات صلة