الجواب:
التوبة فيها تفصيل، أما من جهة الله، فالله يمحو بها الذنب التوبة من جهة الله -بفضله وإحسانه- يمحو بها الذنب، كما قال -جل وعلا - لما ذكر الشرك، والقتل، والزنا، قال: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70] والنبي ﷺ قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له فمن تاب؛ تاب الله عليه، إذا استوفى شروط التوبة، إذا أقلع من الذنوب، وندم على ما مضى منها، وعزم ألا يعود فيها، ورد الحقوق، والمظالم إلى أهلها، أو استحلهم، فالتوبة تجب ما قبلها، ويعفو الله بها عما مضى.
لكن من جهة إقامة الحد فهذا فيه تفصيل: أما من أمسك على الذنب، ووضع عليه قلبه على الذنب؛ فتوبته لا تنفع في درء الحد، بل يجب أن يقام عليه الحد ولا تنفعه توبته التي اضطر إليها بسب أخذه، فمتى أخذ؛ فإنه يقام عليه الحد، ولو تاب؛ فتوبته بعد القبض -بعدما قبض عليه- لأنه فيما يظهر من حاله إنما تاب تعوذًا، ولئلا يجلد، ولئلا يسجن، ولئلا يقام عليه حد الله، فلا تنفعه هذه التوبة من جهة الحكم الشرعي، بل يقام عليه الحد، ولهذا الأسارى إذا أسلموا بعد أسرهم لا ينفعهم إسلامهم من جهة إطلاق أسرهم، ومن جهة إعفائهم مما يجب عليهم من جهة الأسر في أيدي المسلمين، وإنما تحقن دماؤهم لإسلامهم، ولكن تبقى الحقوق الأخرى.
وهكذا من ألقي عليه القبض على الزنا، أو على شرب المسكر؛ يقام عليه الحد، وهكذا من تاب بعد قتل النفس بغير حق؛ يقام عليه القصاص، ولا تمنع التوبة القصاص عليه، لكن من تاب قبل أن يقدر عليه، فعل الذنب، ثم تاب الله عليه قبل أن نقدر عليه، قبل أن نعلم حاله، وجاءنا تائبًا نادمًا؛ فهذا هو الذي تنفعه التوبة، ولا يقام عليه الحد بعدما جاء تائبًا نادمًا قبل أن يعلم حاله، وقبل أن يقبض عليه، كما قال الله في قطاع الطريق: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34] هذا يدل على أن التوبة قبل القدرة لها شأن غير التوبة بعد القدرة.