الجواب:
مثل ما تقدم، تختلف بحسب أحوال البلد، وظروفها، واصطلاحاتها، وأعرافها، حكم الله واحد، حكم الله واحد لا يتغير الحكم، لا يكون الشيء محرمًا في زمان، ومباحًا في زمان، لا، الحكم واحد، المحرم محرم، والمباح مباح، والواجب واجب، والسنة سنة، والمكروه مكروه، لكن يتغير ظروف الفتوى، وما ينبغي أن تطبق عليه.
فقد يكون اصطلاح قوم غير اصطلاح الآخرين، فيظن اصطلاحهم مثل اصطلاح الآخرين الذين في مصر، أو في الشام، وهو في بلد أخرى ليست أعرافهم، ولا اصطلاحاتهم في كلماتهم مثل أولئك، فليس عرف أهل الرياض مثلًا، أو أهل بيشة، أو أهل أبها مثل عرف أهل مصر، وأهل الشام في مسائل متعددة، فقد يخطؤون في فهم الكلام؛ فيظن أن مراد هؤلاء هو مراد هؤلاء، وليس الأمر كذلك، فيخطئ من جهة عدم فهم المراد، وعدم معرفة قصد هؤلاء، وقصد هؤلاء، فلا ينطبق الحكم على الوجه الشرعي.
فالبصيرة في أحوال الناس، وأعرافهم، واصطلاحاتهم، وما يريدون بكلامهم أمر لا بد منه في حق المفتي كما تقدم، ومثل إنكار المنكر، إنكار المنكر واجب، والأمر بالمعروف واجب، لكن تختلف الأحوال في إنكار المنكر بالنسبة إلى ما يترتب عليه، فقد يكون في بعض الأحيان، أو بالنسبة إلى بعض الناس إذا أنكرت عليه المنكر؛ قد يترتب عليه منكر أكبر، وشر أعظم، فحينئذ تترك إنكاره، لا لأنه غير منكر، بل هو منكر، لكن تترك إنكاره لما قد يترتب عليه مما هو أنكر، وأشد، وقد يترتب على إنكار المنكر منكر مثله؛ فيحار الآمر، والناهي، هل ينكره، أو لا ينكره؟! لأنه يترتب عليه مثله، فينظر، ويتأمل كيف ينكر المنكر هذا.
فالحاصل: أن الأشياء قد يترتب عليها أمور لا لأن إنكار المنكر ليس بواجب، بل هو واجب، لكن قد يتوقف عن إنكاره لما يترتب عليه من شر أكبر، أو شر مماثل، ومما يقرب هذا ما جرى للنبي ﷺ وإن كان غير منكر، لكن مما يقرب هذا المعنى، النبي ﷺ قال لعائشة -رضي الله عنها-: لولا أن قومك حديثو عهد بكفر؛ لنقضت الكعبة، وجعلتها على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين.
فترك نقضها، وتنفيذ ما قال -عليه الصلاة والسلام- خوفًا من أن تنكر قلوب الناس ذلك، فترك هذا الخير، وهذه المصلحة؛ خوفًا من شر أكبر، يربو على هذه المصلحة، وهذا يقع كثيرًا في مسائل متعددة.