الجواب:
الواجب على الملتزمين أن يتواضعوا وأن يتحروا الأسلوب الحسن والرفق بالناس لاسيما العامة، وأن يخاطبوهم بما يفهمون من الأساليب الواضحة اللينة، مع الرفق في كل الأمور، وألا يتكبروا وألا يستعملوا العنف في الكلام فإن هذا ينفّر من الحق ويبغّض الناس لأهل الحق، فينبغي للمؤمن، ولاسيما الداعية إلى الله وطالب العلم، أن يكون رفيقًا في كل أموره حليمًا متواضعًا في دعوته للناس وتعليمه الناس؛ حتى يقبلوا منه، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: من يُحرم الرفق يُحرم الخير كله ويقول عليه الصلاة والسلام: عليكم بالرفق فإنه لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ويقول: يسّروا ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا.
فالتعاظم من الملتزم والتكبر على الناس لأنه هداه الله ووفقه لشيء جهلوه هذا من أسباب حرمانه، من أسباب عدم توفيقه، من أسباب ضلاله بعد الهدى، فالواجب التواضع لله وعدم التكبر على عباد الله وأن يكون في نصيحته وتعليمه وإرشاده متواضعًا حليمًا رفيقًا يخاطب الناس بما يعرفون، وأن يخاطبهم بالأساليب الحسنة اللينة الطيبة، هذا هو الذي ينبغي؛ حتى لا ينفّر عنه إخوانه، وحتى لا يكرهوا موعظته، وحتى لا يتباعدوا عن قرب. رزق الله الجميع التوفيق.
س: فضيلة الشيخ: ينظر بعض الشباب الملتزم إلى إخوانه مما يلاحظ عليهم ارتكاب بعض المعاصي الظاهرة نظرة فيها كثير من الجفاء والبعد عن حكمة التوجيه والدعوة إلى الله بأسلوب الداعية الحكيم، فما توجيهكم لهؤلاء، أثابكم الله؟
الشيخ: تقدم الكلام في هذا وأن الواجب عليهم التواضع وأن يخاطبوا الناس بالخطاب الحسن والأسلوب الحسن، وأن يرفقوا، وأن يستعملوا الحلم في كل الأمور وألا يتكبروا على عباد الله؛ بل يجب عليهم يحمدوا الله وأن يشكروه الذي منّ عليهم بالعلم ووفقهم وهداهم فلا يتكبروا بذلك على إخوانهم، ولا تَشْمَخ أنوفهم على إخوانهم تكبرًا وتعاظمًا لأنهم فهموا ما لم يفهموا لا، كان النبي ﷺ في غاية التواضع يعلم الجاهل ويرفق بالجاهل ولا يعنف عليه ولا يشدد، وفيما وقع من أخلاقه ﷺ وما جرى عليه عبرة وعظة لأهل العلم، من ذلك مما جرى في قصة الرجل الذي بال في المسجد فهمّ به الناس فقال: دعوه فلما فرغ من بوله دعاه وقال: إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا القذر إنما بنيت لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ولم يعنّفه ولم يشدّد عليه، بل علمه ما جهل، ومن ذلك قصة الأعرابي الذي جذبه برداءه حتى أثّر في صفحة عنقه، وقال: أعطني من مال الله الذي عندك، فتبسّم عليه الصلاة والسلام وأمر له بعطاء، ولم يعنّفه عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك قصة معاوية بن الحكم لما عطس رجل بقربه في الصلاة فشمته قال: يرحمك الله، فرأى الناس ينظرون إليه فاستنكر ذلك وقال: وأمياه ما شأنهم ينظرون إليّ؟! فجعلوا يسكّتونه، يوصونه بالتسكيت، فسكت، فلما صلى أتى النبي ﷺ فعلمه عليه الصلاة والسلام، قال: والله ما رأيت أحسن تعليمًا منه عليه الصلاة والسلام فما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، إلى آخر ما قال، بل علمه وأحسن تعليمه عليه الصلاة والسلام، وبيّن له أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، فلم يشدّد عليه الصلاة والسلام بل علمه، وكذلك قصة المسيء في صلاته الذي صلى ولم يطمئن فدعاه النبي ﷺ وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ولم يقل: يا خبيث أو يا جاهل أو يا ضال، قال: ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ فرد عليه السلام وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع فصلى كما صلى ثم جاء فسلم على النبي ﷺ فرد عليه، ما هجره، رد عليه السلام، وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل فقال: والذي بعثك بالحق نبيًّا لا أحسن غير هذا فعلمني فعلمه النبي ﷺ فقال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبّر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعًا... الحديث. فلم يشدّد عليه ولم يسبّه ولم يقل: يا جاهل أو يا فاجر أو يا خبيث، أو يا كذا من الألفاظ النابئة لا، بل علّمه وأحسن تعليمه عليه الصلاة والسلام، ففي هذه الوقائع وأشباهها عظة للداعية وذكرى؛ حتى يرفق بالناس، وحتى يستعمل الألفاظ الطيبة، وحتى يبتعد عن كل لفظ يؤذي الناس وينفّرهم من الحق، نسأل الله للجميع الهداية.