حقيقة منهج الصوفية

السؤال:

نرجو من سماحتكم توضيح معنى الصوفية، وإذا كان الصوفيون مخالفين لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ فلماذا لا يسمون بالعصاة، أو المخالفين لشرع الله، فذلك أوضح لمن لم يعرف معنى الصوفية؟ 

وما هي العلاقة بين توحيد الألوهية والصوفية، وهل بينهما علاقة عبودية، أم شركية؟ 

الجواب:

التصوف وأهل التصوف أنواع كثيرة، ولهم طرق كثيرة، واختلف في أسباب تسميتهم الصوفية، فقال الكثير من أهل العلم: إنهم سموا بهذا؛ لأنهم اعتادوا لبس الصوف، والتميز بالصوف عن غيرهم؛ فقيل لهم: الصوفية. 

وقيل لأنهم من أهل الصفاء، لكن على غير نسبة مستقيمة في ذلك، وأنهم سموا بهذا؛ لأنهم يعتنون بصفاء القلوب، والنظر في الأعمال القلبية، والعناية بالزهد، والرغبة في الآخرة، ونحو ذلك، فقيل لهم: الصوفية؛ من أجل هذا على غير نسبة صحيحة.

فالحاصل: أن الصوفية طوائف في الأغلب اعتنت بأعمال القلوب، وحركات القلوب، وتوجه القلوب والأذكار، توجه القلوب إلى الله، والعناية بالأذكار، وابتلوا بطرق أحدثوها، أحدثها لهم مشايخهم تخالف شرع الله؛ فصاروا بذلك على أقسام، وعلى فرق كثيرة، كل فرقة تدعي أن شيخها، وإمامها، وصاحب طريقها أولى من الآخر، كما بين الشاذلية والنقشبندية، والقادرية، والتيجانية والخلوتية، إلى غير هذا فرق لا تحصى، فرق كثيرة لا تحصى، وفي بعضها كفر عظيم، وشر عظيم، حتى يرى بعضهم أن الواجب اتباع هذا الشيخ، وأن من خالف هذا الشيخ؛ فهو باطل، وإن كان في القرآن والسنة، فالواجب اتباع هذا الشيخ ضل أو اهتدى، وهذا كفر، وضلال -نعوذ بالله-.

وهناك من يقول منهم وهو كثير مما ينقل عنهم: أن الواجب على هذا التلميذ أمام هذا الشيخ أن يكون كالميت بين يدي الغاسل، لا يحرك ساكنًا، ولا ينكر على شيخه شيئًا، ولو رآه يفعل معاصي الله، لا ينكر؛ لأن الشيخ أعلم منه، ولا يغير شيئًا إلا بمشورة الشيخ ورأيه، كالميت بين يدي الغاسل ليس له حركة، ولا رأي، ولا إرادة، ولا شيء إلا ما قاله الشيخ، وكل هذه أمور باطلة. 

وأكثر ما يؤخذ على الصوفية أنهم ليسوا بمستنين بالكتاب والسنة، بل لهم طرق وعوائد وقوانين ونظم اتبعوا فيها مشايخهم، وقلدوا فيها أشياخهم، ولو خالف شرع الله، ولو كانت مخالفة للقرآن والسنة، فلهذا أنكر عليهم أئمة العلم، وشنعوا عليهم بهذه الطرق المخالفة للشرع، ولكنهم أقسام في ذلك، وأنواع منوعة، منهم من هو بعيد من شرع الله، ومنهم من هو قريب، ومنهم من هو بين ذلك. 

فالواجب على أهل العلم: أن يعرضوا أقوالهم، وطرائقهم، وما كانوا عليه على كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- فما وافق ذلك؛ قُبِل؛ لأنه وافق الشرع، لا لأنه طريق فلان، أو طريق فلان، أو رأي الشيخ فلان، لا، ما وافق الشرع؛ قُبِل لأنه وافق الشرع، وما خالفه؛ رد؛ لأنه خالف الشرع. 

والواجب نقض هذه الطرق، والقضاء عليها، وإلغاؤها، وأن يكون الجميع تحت شريعة الله، واتباع محمد ﷺ هو شيخهم وإمامهم، لا يكون لهم شيخ آخر سواه يحكمونه، بل هو محكم، فما وافق شرعه؛ قُبِل، وما خالفه؛ رد، لا من الصوفية، ولا من الحنفية، ولا من المالكية، ولا من الشافعية، ولا من الحنبلية ولا من الظاهرية، ولا من غير ذلك.

الواجب أن يكون الجميع خلف محمد ﷺ خلف شريعته معها، متبعين لها، منقادين لها، معظمين لها، فما قاله الرسول ﷺ محمد، وثبت عنه؛ وجب اتباعه، والأخذ به، والسير عليه، وإن خالف التيجاني، وخالف النقشبندي، وخالف فلانًا وفلانًا، وما خالف شرع الله؛ وجب تركه، وإن قال به التيجاني، أو النقشبندي، أو الشاذلي، أو فلان، أو فلان، أو الشيخ عبدالقادر، أو غير ذلك.

فالمحكم هو كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- كما قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59].

وقال : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] ما قال حكمه إلى فلان أو فلان، قال حكمه إلى الله، يعني حكمه إلى شريعة الله، إلى القرآن والسنة، هذا هو الدواء، وهو العلاج للصوفية، وغيرها من الفرق كلهم، يجب عليهم أن يخضعوا لحكم الله وألا يجعلوا الشيخ فلان هو المحكم، لا عبدالقادر ولا التيجاني ولا الشاذلي ولا فلان ولا فلان ولا فلان بل المحكم هو كتاب الله العظيم وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام.

والذي يقوم بذلك هم العلماء الناصحون المتبعون لشرع الله، لا الذين يدعون إلى أنفسهم، وإلى تعظيمهم، وإلى أن يكونوا معبودين مع الله، أو متبعين على غير شريعة الله، هؤلاء يرفضون، إنما العالم في الحقيقة هو الذي يدعو إلى الله، وإلى كتاب الله، هذا هو العالم، هو الذي يدعو إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله ﷺ وإذا خالف رأيه ما دل عليه الكتاب والسنة؛ رفضه، وهكذا رأي غيره، مع الكلام الطيب والأدب الصالح، مع العلماء، وعدم سوء الأدب، بل يحترم العلماء، ويعرف لهم فضلهم، وينتفع بكلامهم، وكتبهم، ولكن لا يجعلهم آلهة يعبدهم مع الله، ولا يجعلهم مشرعين يعطلون شرع الله لأجلهم، ويخالف ما قاله الرسول لأجلهم، لا، ولكن يعتبرهم علماء -إذا كانوا علماء- يعتبرهم علماء يؤخذ من قولهم ما وافق الحق، ويترك من قولهم ما خالف الحق، هكذا قال العلماء.

قال مالك -رحمه الله- الإمام المشهور، إمام دار الهجرة في زمانه، في القرن الثاني: ما منا إلا رادٌّ ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر، يعني الرسول ﷺ.

وقال الشافعي -رحمه الله-: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله ﷺ لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس كائنًا من كان.

وهكذا قال أبو حنيفة، وهكذا قال أحمد، وهكذا قال الأوزاعي، والثوري وغيرهم من أهل العلم والإيمان، كلهم يقولون هذا الأمر، يجب طاعة الله ورسوله، وتحكيم كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- ورد ما خالف ذلك إلى الكتاب والسنة، وعرض الآراء -عرض آراء الناس آراء العلماء- عرضها على كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- فما وافقها؛ قُبِل، وما خالفها؛ رُدّ، مع احترام العالم المشهور، والترضي عنه، والدعاء له بالمغفرة والرحمة، لكن لا يقدم قوله ولا رأيه على ما قاله الله ورسوله.

كل عالم له أخطاء يصيب ويخطئ؛ لأنه ليس كل واحد يحصي العلم، يفوته بعض العلم؛ فلهذا يخطئ في بعض المسائل التي فاته فيها العلم، فما أخطأ فيها؛ رُدَّ إلى الحق والصواب. 

فتاوى ذات صلة