ما منزلة الأمر بالمعروف وعلى من يجب؟

السؤال:
سماحة الشيخ، أخبرك بأني أحبّك في الله، سماحة الشيخ، مَن هم الذين يجب عليهم الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر؟ وما درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ مع أمثلةٍ في هذا الزمان.

الجوب:
أما المحبَّة فنقول: أحبَّك الله الذي أحببتنا له، ونسأل الله أن يجعلنا جميعًا من المتحابين في جلاله، وأن يحشرنا مع أولئك الأخيار، يقول النبيُّ ﷺ: يقول الله  يوم القيامة: أين المتحابّون بجلالي؟ اليوم أظلّهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلي أخرجه مسلم في "الصحيح"، وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة: سبعة يُظلّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله منهم: رجلان تحابَّا في الله، اجتمعا على ذلك، وتفرَّقا عليه، وفي "موطأ مالك" بإسنادٍ جيدٍ عن النبي ﷺ قال: وجبت محبتي للمُتزاورين في، والمتجالسين فيَّ، والمتحابّين في، والمتباذلين في، جعلنا الله وإياكم منهم.
أما ما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فهذا له شأنٌ عظيمٌ، وقد سمعتم بعض الشيء في هذا، فالله يقول سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، ومن خصال المؤمن ومن صفاته الواجبة؛ لأنَّ المذكور في الآية الصفة الواجبة، فمن صفاته الواجبة وفرائض الله عليه أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، هذا أمرٌ لازمٌ لكل مؤمنٍ، ليس خاصًّا بأحدٍ، وقال : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، فجعل الأمة كذلك كلها، ثم قدَّم الأمر والنَّهي، قدَّمه على الإيمان.
هذا يدل على العناية والاهتمام، وعظم المنزلة، الإيمان هو أصل الدين، وأساس الملة، ومع هذا قدَّم عليه -وهو جزء منه- الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، شعبة من الإيمان، شعبة من شعب الإيمان، لكن لعظم الأمر وشدَّة الضَّرورة إليه قُدِّم، كما قُدِّم في آية براءة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، ثم قال: وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ [التوبة:71]، فقدَّمه على الصلاة لعظم الأمر وشدة الضَّرورة إلى هذا الواجب العظيم، الذي به صلاح الناس، وردعهم عن الباطل، وإلزامهم بالحقِّ، والأخذ على أيدي السُّفهاء.
ولهذا تقدَّم لكم في الحديث يقول ﷺ: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيروه أوشك أن يعمَّهم الله بعقابه، وفي اللفظ الآخر: يقول ﷺ: يقول الله : مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم، وقبل أن تسألوني فلا أُعطيكم، وقبل أن تستنصروني فلا أنصركم، وفي اللفظ الآخر: لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يُرسل لكم عقابًا من عنده -أو قال: يُنزل عليكم عقابًا من عنده- ثم تدعونه فلا يستجيب لكم.
وفي حديث ابن مسعودٍ لما ذكر النبيُّ ﷺ قصة بني إسرائيل وأسباب النَّقص الذي دخل عليهم قال: أول ما بدأ النقص في بني إسرائيل أن الرجل منهم كان إذا رأى من الرجل المنكر نهاه عنه وقال: يا هذا، اتَّقِ الله، ثم لا يمنعه ذلك بعد ذلك أن يكون أكيلَه وقعيدَه وشريبَه، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعضٍ، ثم لعنهم، فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، ولتأخذنَّ على يد السَّفيه -وفي روايةٍ: على يد الظالم- ثم لتأطُرنَّه على الحقِّ أطرًا -أو قال: تقصرونه على الحقِّ قصرًا- أو ليضربنَّ الله بقلوب بعضكم على بعضٍ، ثم يلعنكم كما لعنهم نسأل الله السلامة.
فالواجب هو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر على العموم، لكنه مراتب ثلاثة بيَّنها النبيُّ ﷺ، فقال ﷺ: مَن رأى منكم منكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
ويجب على الدولة الإسلامية أن تُقيم طائفةً من الناس في كل بلدٍ لهذا الأمر العظيم، حتى تهتم به، وحتى تُعنى به؛ لقوله سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]، فهذه الأمة وهذه الطائفة تكون عليها مسؤولية كبرى، ولكنها لا تضع المسؤولية على غيرها، ولا تُلقي المسؤولية على غيرها، بل يبقى الغيرُ عليه أيضًا مسؤولية إذا رأى المنكر لا يقول: هذا على غيري، إذا رآه ولم تُنكره الهيئة المعينة، أو لم يبلغها، وبلغه هو أنكره، أو رفع إليها لتُنكر، المقصود التعاون على إزالة المنكر، وعلى إقامة المعروف.
فتاوى ذات صلة