ما أهمية وكيفية تحري الحكمة في الدعوة؟

السؤال:
ما رأي سماحتكم في الخَيِّرين الذين يدعون الناسَ إلى السُّنة دون أن يُراعوا مقاصد السنة وأسلوب الحكمة وأصول الدعوة إليها، فيكون مردود دعوتهم عكسيًّا، وهم يريدون الخير إن شاء الله؟

الجواب:
الواجب تحرِّي الحقّ.
س: حبَّذا لو ذكَّرتُموهم بكلمةٍ جامعةٍ في هذا، بارك الله فيكم.
الشيخ: الواجب على الدَّاعي إلى الله والآمر والنَّاهي أن يتحرى الوسائل في الإقناع؛ لأن المقصود ما هو أنك قلت وأمرت، المقصود الفائدة، المقصود الحرص على أن يُقبل منك، وعلى أن تنتفع وتنفع.
فمن ذلك: الأسلوب الحسن الطيب اللّين، وعدم الاكفهرار.
ومن ذلك: أن تكون معك جماعةٌ، ما هو وحدك، قد يحقرونك وحدك، ولكن إن كان معك إخوانٌ لك كان أقربَ إلى النجاح، وأقرب إلى أن يُصغي ويحترم.
ومن ذلك: أن تُعنى بالمسائل الكبيرة قبل الصغيرة: مَن يترك الصلاة، تُعنى بأمر الصلاة قبل كل شيءٍ، مَن يسبّ الدين أو يستهزئ، تُعنى بهذا الأمر؛ لأنَّ هذه ردَّة، تُعنى بهذه الأمور، وتجتهد أنت وإخوانك معه، لعلَّ الله يهديه على يديك، مع الصبر.
ثم: العناية بألا تُنكر منكرًا يتولد عنه ما هو أنكر، يتحرى في الإنكار، ينظر إذا كان هذا الشخص الإنكار عليه يُولّد منكرًا أكبر، وأنت تعرف ذلك؛ فدعه حتى يتيسر الطريق الموصل إلى ألا يكون هذا الإنكار يُحدث منكرًا أكبر.
فإن الإنكار تترتب عليه أمور:
تارةً يتولد عنه إنكار المنكر وزواله، وهذا واجب.
وتارةً يتولد عنه خفَّة المنكر وقلَّته، وهذا واجبٌ.
وتارة يتولد عنه وجود منكر أكبر؛ فلا، قال الله تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108].
ذكر بعضُ أصحاب الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله في وقت التتار في الشام أنهم مرُّوا على أناسٍ يشربون الخمر من التتار، فقال بعضُ أصحاب الشيخ: دعنا ننكر عليهم، قال: لا، لا تُنكر عليهم يقومون يقتلون الناس، هذا لو قاموا إلى الأسواق قتلوا الناسَ، خلّهم في بلائهم أسهل من القتل، أسهل من قتلهم الناس.
فالمقصود: مراعاة الأمور التي يُخشى منها ما هو أكبر، فطالب العلم والمؤمن البصير يظهر له ما يقتضي الحال؛ إذا تأمَّل يظهر له هل هذا المنكر يزول أو يعقبه ما هو شرٌّ منه أو أخفَّ منه، ينظر ويتأمل، ولا يعجل.
وقد بسط ابنُ القيم رحمه الله الكلامَ في هذا في مواضع من كتابه "إعلام الموقعين"، وهو كتابٌ جيدٌ جديرٌ بالعناية.
ثم مما ينبغي أن يُذكر أيضًا: كثرة الجماعات، وتنوع الجماعات، واختلاف الأساليب، واختلاف الأهداف، يجب على الجماعات الإسلامية كلها، سواء كانت تُسمَّى: سلفية، أو جمعية أنصار السنة، أو الإخوان المسلمين، أو التبليغ، أو غير ذلك من الأسماء، يجب أن يتعاونوا كلّهم في طريق الحقِّ، وأن يكون بينهم من المودة والمحبَّة ما يقتضي إنكار المنكر، والدعوة إلى الخير، وألا يكون بينهم وحشةٌ، بل يجب أن يكونوا متعاونين، ويكون الهدف واحدًا، وهو إقامة أمر الله في أرض الله، والقضاء على المنكرات، وأن يهتموا بالعقيدة قبل كل شيءٍ؛ لأن العقيدة هي رأس المال، وهي أساس السعادة، وأساس الملة، وليحذروا أن يكون بينهم تشاحن، أو أن يقصد أحدُهم القضاء على الآخر، لا، بل يجب أن يكون بينهم التعاون والتواصي بالحقِّ، وأن تكون الأهدافُ صالحةً، هي إقامة أمر الله في أرض الله؛ لتقليل المنكر، ولتكثير الخير، ولتبصير الناس.
ولا يضرّ تنوع الأسماء، المهم العمل، لو كانت الأسماء عشرة أسماء، أو مئة اسم، لكن إذا اتَّحدت الأهدافُ، واتَّحدت الجهود، وتضافرت الجهود على الخير، وصار الهدفُ واحدًا، وهو إقامة شرع الله، وإقامة أمر الله، والقضاء على المنكرات، فلا يضرّ تنوع الأسماء، لكن المصيبة أن تكون كل طائفةٍ ضد الأخرى، وتسبّها، أو تلومها، أو تُحب القضاء عليها، ما يصلح هذا، لا يجوز هذا، هذا منكرٌ.
يجب على الجماعات الإسلامية بأي اسمٍ كانت: باسم أنصار السنة، باسم الإخوان المسلمين، باسم الجماعة الإسلامية، باسم جماعة التبليغ، باسم جماعة كذا، أي اسمٍ كان ما دام الهدف إسلاميًّا، والمقصود إسلاميًّا؛ يجب أن يتعاونوا، وأن يطرحوا الاختلاف والتَّنابز والإيذاء، بل كل واحدٍ يحرص على إصلاح أخيه، وإذا رأى عنده نقصًا أصلحه بالحكمة، والكلام الطيب، والدلالة على الخير، والتعاون على البر والتقوى، والتزاور، حتى تزول الوحشةُ، وحتى يتَّحد الهدف، وحتى يكون المقصود هو إقامة أمر الله في أرض الله.
فتاوى ذات صلة