حكم إخراج زكاة الفطر نقودًا

س: يقدم المسلمون هذه الأيام زكواتهم، فما هو توجيه سماحتكم حول ذلك، وماذا عن زكاة عيد الفطر المبارك؟ وهل يجوز دفعها نقدًا؟

ج: قد فرض الله على عباده زكاة أموالهم، وأمرهم بأدائها، وجعلها من أركان الإسلام الخمسة، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، وقال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، والآيات في ذلك كثيرة.
وقال النبي ﷺ: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت[1] متفق على صحته.
فالواجب على جميع المسلمين أن يؤدوا زكاة أموالهم إلى مستحقيها رغبة فيما عند الله، وحذرًا من عقابه، وقد بين الله مستحقيها في قوله في سورة التوبة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60] وأخبر سبحانه في سورة التوبة أيضًا أن الزكاة طهرة لأهلها، فقال سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103].
وتوعد من بخل بها بالعذاب الأليم، حيث قال سبحانه: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبََ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35].
وصح عن النبي ﷺ: أن كل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز، يعذب به صاحبه[2]، كما صح عنه ﷺ: أن كل صاحب إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي زكاتها فإنه يعذب بها يوم القيامة[3].
وفرض الله على المسلمين أيضًا زكاة أبدانهم كل سنة، وقت عيد الفطر، كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر: صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على الذكر والأنثى، الحر والمملوك، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة[4]. هذا لفظ البخاري.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال: كنا نعطيها في زمن النبي ﷺ صاعًا من طعام أوو صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من أقط[5].
ويلحق بهذه الأنواع في أصح أقوال العلماء كل ما يتقوت به الناس في بلادهم، كالرز والذرة والدخن ونحوها، وهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما خرجه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم، فيجب على المسلمين أن يخرجوا هذه الزكاة قبل صلاة العيد؛ لأن الرسول ﷺ أمر بإخراجها قبلها.
ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، كما كان أصحاب النبي ﷺ يفعلون ذلك. وبذلك يعلم أنه لا مانع من إخراجها في اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين وليلة العيد، وصباح العيد قبل الصلاة؛ لأن الشهر يكون ثلاثين ويكون تسعة وعشرين كما صحت بذلك الأحاديث عن النبي ﷺ.
ولا يجوز إخراج القيمة في قول أكثر أهل العلم؛ لكونها خلاف ما نص عليه النبي ﷺ وأصحابه ، وقد قال الله : قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور:54]، وقال سبحانه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌٌ أَلِيمٌ [النور:63]. والله ولي التوفيق[6].
  1. رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم 8، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم 16، والترمذي في (الإيمان) باب ما جاء بني الإسلام على خمس برقم 2609، واللفظ له.
  2. رواه الإمام مالك في الموطأ (كتاب الزكاة) باب ما جاء في الكنز برقم 595.
  3. رواه البخاري في (الزكاة) باب زكاة البقر برقم 1460، ومسلم في (الزكاة) باب إثم مانع الزكاة برقم 988.
  4. رواه البخاري في (الزكاة) باب فرض صدقة الفطر برقم 1503.
  5. رواه البخاري في (الزكاة) باب صدقة الفطر برقم 1506، ومسلم في الزكاة 9 باب زكاة الفطر على المسلمين برقم 985.
  6. من ضمن أسئلة مقدمة من (صحيفة الجزيرة)، مكتب الطائف في 24/9/1407هـ. (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 14/29).
فتاوى ذات صلة