الجواب: الاحتفال بالموالد من البدع التي أحدثها الناس في القرن الرابع الهجري، فلا ينبغي لأحد أن يتأسى بمن أحدث البدع، وهكذا ما ذكر عن ملك إربل أنه أحدث ذلك، كل هذا لا يليق بأهل العلم والإيمان أن يتأسوا بمن أحدث البدع ولو كان معروفًا ولو كان كبيرًا كبعض الملوك والأمراء أو بعض ممن يغضب من أهل العلم، فإن القاعدة التي يجب الالتزام بها ويجب السير عليها، أن ما تنازع فيه الناس وما أحدثه الناس يعرض على كتاب الله وعلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما وافقهما قبل وما خالفهما رد، كما قال الله في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59].
قال العلماء رحمهم الله: الرد إلى الله هو الرد إلى القرآن العظيم، والرد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام هو الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وفي الآية الأخرى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].
فالواجب على أهل الإيمان عند النزاع وعند الاختلاف وعند إحداث البدع أن يرد ما تنازع فيه الناس وما اختلفوا فيه إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم فما شهدا له بالقبول قبل وما لا فإنه يرد.
وقد نظرنا وسبرنا ما وقع في الناس من هذه الموالد، ودرسنا سيرة النبي ﷺ وسيرة أصحابه فلم نجده ﷺ احتفل بمولده لا في المدينة ولا في مكة، لا قبل الهجرة ولا بعد الهجرة، لا قبل الفتح ولا بعد الفتح.
فقولهم: إنه يحضر ويقومون له هذا من المنكر ومن الباطل من التلبيس على العامة، والواجب على أهل الإيمان اتباع سنته وتعظيم أمره ونهيه لا إحداث الموالد، ويش الفائدة من الموالد التي فيها البدع والشر، الله يقول سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، ويقول : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول سبحانه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، ويقول جل وعلا: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، ويقول سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] الآية.
فالذي يحب الرسول ﷺ صادقًا يتبعه، ويستقيم على طريقته في أداء الأوامر وترك النواهي والوقوف عند الحدود، والدعوة إلى سبيله وإلى سنته والذب عنها والتحذير من خلافها، هكذا يكون المؤمن، هكذا يكون طالب النجاة، هكذا يكون المعظم لرسول الله ﷺ، يعظم سنته ويدعو إليها ويستقيم عليها قولًا وعملًا وعقيدة، وينهى الناس عن خلافها وعن الخروج عليها، هكذا المؤمن الصادق وهكذا العالم الموفق يعظم السنة ويدعو إليها ويستقيم عليها ويحافظ عليها ويمثلها بأخلاقه وأعماله، هكذا الحب للرسول ﷺ، وهكذا الحب لله توحيده وطاعته خوفه ورجاؤه والشوق إليه، والمسارعة إلى مراضيه، والحذر من مناهيه، والوقوف عند حدوده، هكذا يكون المؤمن الصادق في حبه لله ورسوله.
أما إحداث البدع فليست من دلائل الإيمان، ولا من دلائل الصدق، ولكنها من تزيين الشيطان ومن تلبيسه على الناس حتى يحدثوا ما لم يأذن به الله، ولهذا قال سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].
والمحب له ﷺ يجتهد في اتباع شريعته واتباع طريقه ليعلم الناس سنته وأخلاقه وأعماله، في المدارس، وفي المساجد، وفي البيوت، وفي السفر، وفي الحضر، وفي الطائرة، وفي السيارة، وفي القطار، وفي كل مكان، هكذا المؤمن الصادق العالم يعتني بالسنة ويعلمها الناس ويعمل بها، وفي غنية عن إحداث البدع، المسلمون في غنية كاملة عن البدع، أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، ويقول سبحانه: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ يخاطب النبي ﷺ. ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الجاثية:18-19]، هكذا أمره ﷺ أمر الله نبيه أن يستقيم على الشريعة التي بينت له وأمر بها فهكذا أمته، عليهم أن يستقيموا على الشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، وعليهم أن يلزموها ولا يزيدوا ولا ينقصوا، نعم.