الجواب:
نعم، هذه الآية تدل على عظم جريمة من أضاع الصلاة، يقول سبحانه: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [مريم: 59] وخلف بالتسكين هو خلف السوء، يعني الذي يأتي بعد الصالح وهو على غير هدى يقال له: خلف فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [مريم: 59] يعني: قوم جاؤوا بعدهم، ليسوا على استقامة، بل على إضاعة للصلوات، وركوب للمحارم، ولهذا قال: وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ [مريم: 59] يعني: المحرمة كالزنا، وشرب المسكرات، واللواط، وأكل الربا وغير ذلك مما حرم الله، فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59] يعني خسارًا ودمارًا، وعاقبة سيئة، وقال بعض المفسرين: غيًا: يعني وادي في جهنم، يعني في واد في جهنم خبيثًا طعمه، بعيدًا قعره، نسأل الله العافية.
وبكل حال فالذي يضيع الصلوات، ويتركها قد أتى منكرًا عظيمًا، وهو كافر عند جمع من أهل العلم، وإن لم يجحد الوجوب.
أما إذا جحد الوجوب قال: إنها لا تجب صار كافرًا عند الجميع -نسأل الله العافية- لكن لو تركها تهاونًا، وهو يعلم أنها واجبة عليه، لكن يتساهل فهذا هو محل الخلاف بين أهل العلم.
والصواب أنه يكفر بذلك، لقوله ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ولم يقل: إذا جحد وجوبها، وقال -عليه الصلاة والسلام-: بين الرجل، وبين الكفر والشرك ترك الصلاة خرجه مسلم في صحيحه، في أدلة أخرى غير هذين الحديثين.
فيجب على كل مؤمن ومؤمنة العناية بالصلاة والمحافظة عليها طاعة لله وتعظيمًا له، كما قال سبحانه: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] قال : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43].
كذلك يحذر الشهوات التي حرم الله عليه من فعل المعاصي، يجب الحذر منها أينما كان في السفر والإقامة في الغيبة والشهادة، في جميع الأحوال، كالزنا، والمآكل المحرمة، والمشارب المحرمة كالخمر، وغير هذا مما حرم الله لكن متى تاب تاب الله عليه، إذا تاب من ذلك فالكفر أعظم الذنوب، إذا تاب صاحبه تاب الله عليه، ولهذا قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [مريم:60].
فإذا ندم على ما مضى منه، وأقلع، وعزم ألا يعود، واستقام على الصلاة وغيرها مما أوجب الله، وعلى ترك ما حرم الله، فله الجنة والكرامة، كما قال في آية الفرقان : وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان:68] يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:69] هذا وعيدهم إذا ماتوا على الشرك، أو على قتل النفس بغير حق، أو على الزنا، هذا وعيدهم، نسأل الله العافية.
ثم قال: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:70] فإذا تاب من الشرك والقتل والزنا أبدل الله السيئات حسنات، لو صحت التوبة، وأتبعها بالعمل الصالح، بدل الله سيئاته حسنات، وغفر له .
كما قال في الآية الأخرى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] وقال سبحانه في آية الزمر: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] والمعنى للتائبين، أجمع العلماء على أن المراد بذلك التائبون، من تاب تاب الله عليه، وغفر له جميع ذنوبه.
فالواجب التوبة، والبدار بها، ولا يقنط ولا ييأس، بل يحسن ظنه بربه، ويبادر بالتوبة، ويتبعها بالعمل الصالح، بالصلوات التطوع.. الصدقات.. عيادة المريض.. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. الدعوة إلى الله، إلى غير هذا من وجوه الخير التي تكون تارة واجبة، كالأمر بالمعروف، وتكون تارة مستحبة.
فالمقصود أن يتبع توبته بالأعمال الصالحات من واجب ومستحب، ويحافظ على الصلوات الخمس، ويؤدي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله، ويتعاطى ما يسر الله له من النوافل وغيرها من الطاعات التي أوجبها على عباده وذلك من الدلائل على صدق التوبة، كونه يتبعها بالعمل الصالح من الدلائل على صدق التوبة، واستقامة صاحبها عليها. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا، ونفع بعلمكم.