مراتب الصبر وفضله

السؤال:

هذه السائلة: (ع) من جازان صبيا، تقول في هذا السؤال: سماحة الشيخ! سؤالي يتكون من ثلاث فقرات: أولًا: ما هي حدود الصبر في الابتلاء؟ وما هي مراتب الصابرين؟ وما جزاء الصابرين على الابتلاء؟ وجهونا في ضوء هذه الفقرات مأجورين؟ 

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد. 

فإن الله سبحانه أوجب على عباده الصبر عند المصائب، فقال سبحانه: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] قال -جل وعلا-: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّه [النحل:127] قال سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۝ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].

والصبر واجب، وهو كف اللسان عن النياحة، كف اليد عن خمش الوجه، أو شق الثوب، أو نحو ذلك، كون الإنسان يكف يده عما لا ينبغي، ويكف لسانه عما لا ينبغي، وقلبه لا يجزع هكذا، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة.

الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: تشق ثوبها عند المصيبة.

وقال ﷺ: ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية.

فالصابر هو الذي يكف جوارحه عما لا ينبغي، ويكف لسانه عما لا ينبغي، ويعمر قلبه بالطمأنينة والاحتساب، وعدم الجزع، والإيمان بأن الله سبحانه هو الحكيم العليم، وأنه -جل وعلا- يقدر المصائب لحكمة بالغة، يقدر على هذا مرض.. على هذا حادث سيارة.. على هذا موت.. على هذا إيذاء من فلان، أو فلان.. إلى غير ذلك، له الحكمة البالغة، ولهذا في الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر؛ فكان خيرًا له هذا شأن المؤمن.

والصبر واجب متعين، بحيث يكف يده ولسانه وجوارحه كلها عما لا ينبغي، فلا ينوح ولا يشق ثوبًا، ولا يلطم خدًا، بل يحتسب، ويصبر، ويعلم أن ذلك من عند الله، فيحتسب ذلك، ويكف جوارحه عما لا ينبغي.

وإن رضي بهذا، واطمأن إليه، ورضي بما قدر الله له، كان أعظم وأكبر وأفضل؛ لقوله ﷺ: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي؛ فله الرضا، ومن سخط؛ فله السخط.

فالصبر واجب، والرضا سنة مؤكدة، والجزع محرم، الجزع والنياحة وشق الثوب ولطم الخد كل هذا محرم، فالجزع محرم، والصبر واجب، والرضا هو الكمال.

وهناك مرتبة أخرى عليا، وهي: اعتبار المصيبة نعمة، يشكر الله عليها؛ فيكون شاكرًا صابرًا راضيًا شاكرًا، يرى أن المصيبة نعمة، هذا المرض الذي أصابه، أو فقر، أو خسارة في سلعة، أو نكبة في البدن، أو ما أشبه ذلك يراها نعمة، يشكر الله عليها، لما يترتب عليها من تكفير السيئات، وحط الخطايا، وعظم الأجور، فهو يعتبرها نعمة يصبر ويرضى ويحتسب، ويعتبرها نعمة يشكر الله عليها، هذه المرتبة العليا، الله المستعان. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا سماحة الشيخ. 

فتاوى ذات صلة