حكم يفعل المحرمات ويحتج بأن الإيمان ليس بالعمل

السؤال:

أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع (م. ح) من جمهورية مصر العربية، أخونا له أكثر من سؤال، فيقول في سؤاله الأول:

يوجد لدينا شخص يشرب البيرة، حتى يسكر منها، والبيرة داخلها الكحول، وقد نهيناه عن الشرب فلم يطع، ولم يرجع عنها، وللعلم لديه زوجة وخمسة أولاد، هل زوجته تكون طالقة منه والحالة هذه؟ 

وهذا الشخص لا يصلي، بل يصوم شهر رمضان، ولا يصلي أثناء صيامه، وبلغ من العمر خمسة وأربعين عامًا، وعند مناقشته يقول لنا: الأعمال بالنيات، وليس بالعمل. أفيدونا أفادكم الله، والسلام عليكم.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم. 

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فهذا الرجل المسؤول عنه ما دام لا يصلي؛ فإن الواجب على زوجته الامتناع منه، والواجب على من ترفع إليه القضية التفريق بينهما؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر في أصح قولي العلماء، وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ أنه قال: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة.

فهذا نص في أن الرجل إذا ترك الصلاة انتقل من الإسلام إلى الكفر والشرك، وهذه هي الردة، والله يقول -جل وعلا-: لا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221] ويقول في الكافرات وفي الكفار: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ [الممتحنة:10].

وثبت أيضًا عن رسول الله أنه قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفرخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب  وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل ورحمه: "لم يكن أصحاب النبي ﷺ يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة" فهذا يدل على أن الصلاة عندهم يعتبر تركها كفرًا، يعني: كفر أكبر؛ لأن هناك أعمالًا تسمى كفرًا، ولكن ليس كفرًا أكبر، مثل ترك الانتساب إلى الأب، يعتبر كفرًا، لكنه كفر دون كفر، ومثل الطعن في النسب والنياحة في الميت، قال فيهما النبي ﷺ: اثنتان في الناس هما كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت قال العلماء: كفر دون كفر.

وهناك أعمال أخرى يطلق عليها ذلك، لكن أمر الصلاة قال فيها النبي ﷺ: بين الرجل وبين الكفر والشرك... والكفر المعرف، والشرك المعرف يراد به الكفر الأكبر -نسأل الله السلامة-؛ ولأن الصلاة عمود الإسلام، وأعظم الأركان بعد الشهادتين، فليست من جنس بقية الأعمال؛ ولأنه ثبت عنه ﷺ أنه قال لما سأله الصحابة عمن يتولى عليهم من الأمراء فيعرفون منهم وينكرون، قال: أد الذي عليك لهم، واسأل الله الذي لك وفي اللفظ الآخر قال: أدوا لهم حقهم، واسألوا الله الذي لكم قالوا: يا رسول الله أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة وفي اللفظ الآخر، قال: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان فهذا يبين أن ترك الصلاة يعتبر كفرًا بواحًا.

فالواجب على المرأة التي زوجها لا يصلي أن تمتنع منه، وأن لا تمكنه من نفسها حتى يتوب إلى الله ، وعليها أن تطالب بمفارقته لها من جهة المحكمة، حتى لا يكون له عليها سلطان، إلا أن يتوب، فمن تاب تاب الله عليه، وهذا هو الأصح من قولي العلماء، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكون كفرًا أكبر إذا كان يقر بوجوبها، ويعتقد أنها واجبة ولكنه يتساهل، ولكن هذا القول ضعيف لمخالفته الأدلة الشرعية.

أما شربه المسكر فهذا من الكبائر، لكنه لا يكفر بذلك عند أهل السنة والجماعة، خلافًا للخوارج كون الإنسان يشرب الخمر، أو يتعاطى بعض المعاصي كالزنا أو تعاطي الربا، وهو لا يستحل ذلك، ولكن غلبه الهوى وطاعة الشيطان، هذا لا يكفر بذلك، إلا إذا استحل الزنا أو استحل الخمر؛ كفر عند أهل العلم جميعًا.

ولكن المرأة لها أيضًا أن تطالب بالطلاق إذا كان مسلمًا، ولكنه يشرب الخمر؛ فهذا عيب، لها أن تطالب بالفراق؛ لأن شربه الخمر يضرها ويضر أولادها، لكنه لا يكفر بذلك عند أهل السنة خلافًا للخوارج.
وينبغي لأهله ومعارفه أن ينصحوه، وأن يتقوا الله فيه، هذا هو الواجب عليهم؛ لأن هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسلمون عليهم واجب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيقول ﷺ: الدين النصيحة.

فينبغي -بل يجب- الإنكار على مثل هذا الشخص، وتوجيهه إلى الخير، وتحذيره من مغبة عمله من ترك الصلاة وتعاطي المسكر، وإقامة الأدلة التي تدل على كفر تارك الصلاة، وعلى عظم خطر شرب الخمر، وأنه من الكبائر العظيمة، لعل الله يهديه بذلك، فقد صح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن فهي تنافي كمال الإيمان، وإن بقي معه أصله ولم يكفر، لكنها تنافي كماله الواجب، وتلحق صاحبها بالعصاة والفساق، وقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: إن على الله عهدًا لمن مات وهو يشرب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال قيل: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار أو قال: عرق أهل النار نسأل الله العافية.

وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لعن في الخمر عشرة -عليه الصلاة والسلام-: "لعن الخمر وشاربها وساقيها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها" كل هؤلاء ملعونون -نسأل الله السلامة-.

فالواجب على كل مسلم أن يحذر شرب الخمر، وأن يتقي الله؛ فإنها أم الخبائث، وشرها عظيم عليه وعلى أولاده وعلى أهل بيته وعلى زوجته وعلى جلسائه، فليحذر أن يكون سببًا لهلاك نفسه وهلاك هؤلاء، وليتق الله، وليقلع من شربها؛ فإن عاقبتها وخيمة، وشرها عظيم، ومفاسدها لا تحصى، نسأل الله لجميع المسلمين الهداية، نعم.

المقدم: اللهم آمين، في نهاية رسالته سماحة الشيخ لعله لم يغب عنكم قول الرجل: الأعمال بالنيات، وليس بالعمل، وهذا يردده كثير من الناس؟

الشيخ: وهذا من أقبح الخطأ، قوله: الأعمال بالنيات وليس بالعمل؛ هذا غلط، نعم الأعمال بالنيات -كما قال النبي ﷺ- لكن لا بد من العمل أيضًا، يقول ﷺ: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى فلا بد من الأعمال، ولكنها تبنى على النية، فالأعمال لا بد لها من نية، ولكن ليس معناه: أن النية تكفي وتضاع الأعمال تترك الأعمال، النية وحدها لا تكفي، لا بد من عمل.

فالواجب على كل مسلم أن يعمل بطاعة الله، وأن يدع معاصي الله، ولو نوى ولم يعمل بشرع الله صار كافرًا -نسأل الله العافية- فلا بد من العمل، الله -جل وعلا- يقول: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105] ولما سئل النبي ﷺ: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله فالإيمان عمل، لا بد من إيمان، فمن لم يؤمن بالله واليوم الآخر فهو كافر، ومن لم يؤمن بأن الصلاة واجبة فهو كافر، ومن لم يؤمن بأن صيام رمضان واجب فهو كافر، لا بد من إيمان، وهكذا من لم يؤمن بأن الله حرم الزنا، حرم الخمر، حرم العقوق، حرم الفواحش، من لم يؤمن بهذا فهو كافر.

فلا بد من إيمان، ولا بد من عمل، ولا بد من نية.

وهكذا قول بعضهم: الإيمان في القلب، فإذا قيل له: صل، أو وفر لحيتك، أو اترك ما حرم الله عليك، قال: الإيمان في القلب، هذه كلمة حق أريد بها باطل، نعم أصل الإيمان في القلب، ولكنه يكون في الجوارح أيضًا، يكون في القول والعمل، فالإيمان عند أهل السنة قول وعمل ونية، يعني: قول وعمل واعتقاد، فلا بد من القول ولا بد من العمل ولا بد من العقيدة.

فلا بد من الإيمان بالله واليوم الآخر، وأن يعتقد أن الله واحد لا شريك له، وأنه ربه سبحانه، وأنه الخلاق الرزاق، وأنه -جل وعلا- الموصوف بالأسماء الحسنى، والصفات العلى، وأنه مستحق للعبادة، ولا بد من عمل؛ من إخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة ما سواه، والنطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، والنطق بما أوجب الله من القراءة في الصلاة، وما أوجب الله فيها.

كما أنه لا بد من عمل من أداء الصلاة، أداء الزكاة، صيام رمضان، حج البيت، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، الجهاد، إلى غير هذا.

ولهذا أجمع أهل السنة من أصحاب النبي ﷺ ومن بعدهم: أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، والقول قول القلب واللسان، والعمل عمل القلب والجوارح.

فالواجب على هذا الرجل أن ينتبه، وأن يستغفر الله من ذنبه، ويتوب إليه، وأن يبادر إلى الصلاة، فيصليها مع المسلمين في أوقاتها، وأن يبتعد عما حرم الله عليه من الخمر وغيرها؛ لعله ينجو، ولعله يفوز بالسلامة، وحسن الخاتمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة