الجواب:
بر الوالدين من أهم الواجبات ومن أعظم الفرائض، وقد قرن الله حق الوالدين بحقه سبحانه بالتوحيد حيث قال جل وعلا في كتابه العظيم: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، قضى معنى: أمر وأوصى، فأوصى سبحانه عباده أن لا يعبدوا إلا إياه أن يخصوه بالعبادة، ثم قال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23].
فجعل حق الوالدين مع حقه ، ومعلوم أن حقه هو أعظم الفرائض وهو التوحيد، فدل ذلك على أن بر الوالدين من أهم الفرائض، وقال : أنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، فجعل شكر الوالدين مع شكره ، فدل ذلك على عظم حقهما، وقال في الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ -ثلاث مرات- قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس، فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور متفق على صحته، فجعل العقوق قرين الشرك كما أن البر قرين التوحيد ثم جعل بعد ذلك شهادة الزور هي أكبر الكبائر بعد الشرك والعقوق.
فالواجب على الأولاد ذكورًا كانوا أو إناثًا أن يتقوا الله، وأن يخلصوا لله العبادة، وأن يستقيموا على طاعته سبحانه، وأن يبروا والديهم أحياء أو أمواتًا بالكلام الطيب، بالدعاء، بالصدقة عنهم، إلى غير هذا، وفي حياتهم بالسمع والطاعة في المعروف والقيام بحقهم، إلى غير هذا مما يجب لهم في الحياة من النفقة إن كانوا محاويج، وكف الأذى وعدم السب والشتم، وعدم أي أذى، هذا هو الواجب على الولد مع والديه، وقد سئل ﷺ قيل: يا رسول الله! هل بقي من بر والدي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال له: نعم. الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما، أخبر ﷺ عن خمسة أمور كلها من بر الوالدين بعد وفاة الوالدين:
فالأول والثاني: الصلاة عليهما والاستغفار كونه يصلي عليهما؛ يعني: يدعو لهما يترحم عليهما ويكثر من الاستغفار لهما، ويدخل في ذلك صلاة الجنازة كونه يصلي عليهما صلاة الجنازة.
الثالث: إنفاذ عهدهما من بعدهما يعني: الوصية التي يوصيان بها ينفذها الولد إذا كانت شرعية، عليه أن ينفذها إذا كانت مما يوافق الشرع المطهر كوصية الوالد أو الوالدة بالصدقة على الفقراء.. بضحية.. بحجة.. بتعمير مسجد.. بغير هذا مما شرعه الله إذا كان ذلك يخرج من الثلث، أما إذا كان زائد على الثلث فلابد من أن يجعل ميراثًا لكن ما دامت الوصية بالثلث فأقل فالواجب تنفيذها والحرص على إنجاز ذلك؛ لأن هذا من إنفاذ عهدهما من بعدهما.
وهكذا كل وصية تنفعهما ولا تخالف الشرع المطهر فمن برهما إنفاذها كما لو أوصيا بأن يجتهد أبناؤهما الكبار في الإحسان إلى أبنائهم الصغار أبنائهما أو بناتهما، أو أوصيا بإكرام أخيهما أو أختهما أو إخوتهما أو أخواتهما، أو أوصيا بإكرام فلان أو فلانة من أجل الصداقة التي بينهما وبينه ونحو ذلك.