من أظهر المعاصي وجب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر

السؤال:

هل يجوز الكلام مع من مارس الزنا ولم يتب بعد؟

الجواب:
من أظهر المعاصي كالزنا والخمر والربا والتدخين والإسبال وحلق اللحى وغير ذلك من المعاصي، فإن الواجب نصيحته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن؛ لقول الله : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، وقوله سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
وروى الإمام أحمد وغيره بإسناد صحيح عن أبي بكر الصديق أنه خطب الناس بعد وفاة النبي ﷺ، وقال يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية، وتضعونها في غير موضعها، وهي قول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقابه.
ويستفاد من هذا الحديث الشريف، ومن هذه الخطبة من أبي بكر الصديق : أن من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر، مع القدرة لا يكون مهتديًا الهداية الكاملة، بل هو ناقص الهداية، وقد ذم الله الكفار من بني إسرائيل ولعنهم؛ لما عصوا واعتدوا على حرمات الله ولم يتناهوا عن المنكر، في قوله سبحانه: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ۝ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].
وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري ، وروى مسلم أيضًا في صحيحه عن أبي مسعود عن النبي ﷺ أنه قال: ما بعث الله من نبي في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
والأحاديث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدًا، فالواجب على المسلمين من العلماء والأمراء وغيرهم، التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، عملا بالآيات والأحاديث الواردة في ذلك، وعملا بقول الله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، وقوله : وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
والإنكار باليد يكون من ولاة الأمور ومن الهيئات المعينة لذلك من جهة ولي الأمر، ومن الرجل مع أهل بيته من أولاد وغيرهم، ومن جميع من له ولاية على من يتعاطى المنكر، وعلى غيرهم الإنكار باللسان والقلب حسب الطاقة، لما تقدم من حديث أبي سعيد ، ولقول الله : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
وأسأل الله أن يوفق جميع المسلمين من الحكام والمحكومين لكل ما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن ينصر بهم الحق وأهله، ويخذل بهم الباطل وأهله، إنه على كل شيء قدير، وهو سبحانه ولي التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا به[1].
  1. من الأسئلة المقدمة لسماحته من مجلة الدعوة. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 27/518).
فتاوى ذات صلة