الدعاة وأساليب دعوتهم للناس

السؤال:

في مجتمعنا المعاصر فتن كثيرة، وعقبات أمام الدعاة لتحقيق وجود المجتمع المسلم، فالشرك بصوره المتعددة، والبدع، والأوهام، والخرافات كثيرة، بل يروج لهذا، وذاك أناس يلبسون ملابس العلماء، قد تولوا زمام الفتوى للمسلمين، يفتون بالهوى، والضلال، وما يسارع أهواء الناس، وحكامهم إلى آخره، فهل طريقة رسول الله ﷺ في الدعوة بالتوحيد أولًا، ثم بعد ذلك أمور الشريعة أمرًا واجبًا، أم يجوز للمسلمين اختيار أي طريق آخر في الدعوة إلى الله في مواجهة هذه الفتن، وما يحيط به من أعداء يتربصون بهم الدوائر من كل مكان؟

الجواب:

الداعي إلى الله له حالان:

حالة يكون فيها مع الكفرة المعلنين الذين لا يسمون مسلمين، ولا ينتسبون إلى الإسلام، كأن يكون بين اليهود، أو بين النصارى، أو بين الشيوعيين، أو بين من لا دين له، هؤلاء يبدأهم بالتوحيد، يبدأهم بدعوتهم إلى توحيد الله، والإيمان بالله، ويعرفهم بالله، وبأسمائه، وصفاته، ويدعوهم إلى أن يخلصوا له العبادة، وأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويشهدوا أن محمدًا رسول الله قبل كل شيء، لا يذكر لهم الصلاة، ولا الصوم، ولا غير ذلك، ولا ينهاهم عن الزنا، ولا عن الخمر، ولا غير ذلك، يبدأهم أولًا، بالشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. 

كما فعل النبي ﷺ لما بعثه الله حين بدأ الناس في مكة بالتوحيد، بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وهكذا لما بعث الدعاة كان يأمرهم بهذا، ولهذا لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له: إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب -يعني من اليهود والنصارى- فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ثم قال: فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فجعل الصلاة بعد الاستجابة للتوحيد، والإيمان بالرسول ﷺ هذا هو الواجب على الدعاة في بلاد المشركين: أن يبدؤوهم بالدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن أجابوا لها، ووحدوا الله، وآمنوا بالرسول ﷺ بعد هذا ينتقل معهم إلى الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وفروع الإسلام.

أما إذا كان بين قوم يدعون الإسلام، ويقولون: إنهم مسلمون، ويظهرون الإسلام، فإنه يدعوهم إلى كل ما ينفعهم، إذا كان عندهم شرك؛ حذرهم من الشرك، إذا كان عندهم ترك للصلاة؛ نهاهم عن ترك الصلاة، إذا كان عندهم بخل بالزكاة؛ نهاهم عن البخل بالزكاة، إذا كان عندهم محرمات أخرى، كشرب الخمر، أو التساهل بالزنا.. أو ما أشبه من المعاصي؛ حذرهم من ذلك؛ لأنهم مسلمون يدعون الإسلام. 

فلا بد من إيضاح الأشياء التي وقعوا فيها من الشر، ولا بد من إنذارهم منها، وبيانها لهم؛ حتى ينتبهوا، وحتى يعودوا لإسلامهم، وحتى يأخذوا بأحكام الإسلام، فلا تمنعه الدعوة إلى التوحيد من أن يدعوهم إلى ترك الزنا، وترك الخمور، وترك الفواحش الأخرى، وترك الكذب، وشهادة الزور، والربا، وأشباه ذلك، فهو يدعوهم إلى الله لهذا ولهذا؛ حتى تكون دعوته لها أثر فيهم، ولاسيما إذا بدأهم بالصلاة، والأشياء التي يعرفون أنها من الإسلام، وأن الإسلام يأمر بها؛ حتى يطمئنوا لدعوته، حتى يأنسوا به.

فإذا دعاهم إلى الشيء المعروف لا يجهلونه، ولا ينكرونه، تدرج معهم إلى تنبيههم على ما أخطؤوا فيه في العقيدة، وبصرهم بالعقيدة بعد أن يثقوا به، بعد أن يطمئنوا إليه، وأنه يأمر بشيء معروف عندهم، أنه من دين الله، وأنه من الإسلام كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج مع الاستطاعة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والصدق في الحديث، وترك الربا، ترك السرقة، ترك الخمور، هذه يعرفها العامة، يعرف العامة أنها من الإسلام، وأنها دين.

فإذا كان الداعية أمرهم بهذه الأمور، ونهاهم عما حرم الله عليهم بالأسلوب الحسن، بالكلمة الطيبة، بالآيات القرآنية، بالأحاديث النبوية، اطمأنوا له، وعند هذا ينبههم على ما قد وقعوا فيه من الشرك في القبور، أو بغير هذا من أنواع الكفر التي يقعون فيها، لا يبدأهم بهذا، وهم قد غلطوا فيه، وظنوا أنه دين، وعند هذا يصيحون به ويتكلمون عليه، ويقولون ما يقولون، وهابي مبغض للأنبياء، مبغض للصالحين، فعند هذا لا ينفع .. قليلًا ولا كثيرًا؛ لأنه قد اشربوا الكفر، وقد استقر في قلوبهم من دعاة الباطل، ومن دعاة الشرك، لكن يبين لهم الأول الشيء الذي يعرفونه من دين الإسلام؛ لأنهم ينتسبون للإسلام.

فإذا اطمأنوا إليه وعرفوا حديثه، وعرفوا نصحه، وعرفوا ما يتلوه من آيات الله، وأحاديث رسول الله ﷺ بعد هذا يتدرج معهم بأسلوب واضح، بأسلوب مطمئن، ليس فيه عنف، ولا شدة حتى ينتبهوا؛ لأنهم جهال قد أشربوا الكفر، وقد عاشوا فيه من دعاة الضلالة، وممن يثقون بهم، ويدعون أنهم علماء. 

فلا بد من الرفق بهم حتى يطمئنوا، وحتى يعرفوا الحق على بصيرة، وعلى هدى بأساليب لينة، ليس فيها عنف، ولا تكفير، بل يقول لهم: هذا كذا، هذا حرمه الله، هذا لا يجوز، بعث الله النبي ﷺ لإنكار، هذا أنكره على المشركين، ولا يقول: أنتم كفار في أول مرة، بل ينبهم على أخطائهم وأغلاطهم. 

فتاوى ذات صلة