حكم صلة الأرحام المتهاونين بالصلاة

السؤال:

لنا أقرباء، وأنساب، ورحم يتهاونون في أداء الصلاة، هل يجوز لنا قطيعتهم، علمًا أننا نبادر بالنصح في ذلك؟ نرجو من سماحتكم التفضل بالإجابة على هذا، وجزاكم الله خير الجزاء.

الجواب:

هنا نقطة كثيرًا ما ننبه عليها، وهي أن الواجب على المؤمن أن يبلغ ما سمع من الخير، هذه ينبغي أن تكون على بالنا دائمًا التبليغ التبليغ، كل يبلغ من ورائه، من أقاربه، وأهل بيته، وأصحابه، وجلسائه ما يسمعه من العلم والفائدة؛ حتى تعم الفائدة، وينتشر العلم في باب صلة الرحم، وغير ذلك.

كان النبي ﷺ إذا حدث أصحابه وذكرهم يقول: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مُبَلَّغ أوعى من سامع ويقول: بلغوا عني ولو آية عليه الصلاة والسلام، ولما خطب الناس يوم عرفة في حجة الوداع قال: وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت، فقال: اللهم اشهد، اللهم اشهد وقال: فليبلغ الشاهد الغائب!. 

فعلى إخواننا الذين يسمعون الفائدة في أي مكان من جهة معتمدة أن يبلغوا ما سمعوا من الخير لأهليهم وقراباتهم وجلسائهم على حسب ضبطهم الفائدة، لا يبلغ إلا بعد الضبط والعناية حتى لا يقول على من نقل عنهم ما لم يقولوا، الواجب أن ينتبه وأن يبلغ ما سمع بعد حفظه، وبعد تأكده مما سمع حتى يبلغ الخير، ويكون شريكًا في ذلك.

والرسول يقول ﷺ: من دل على خير؛ فله مثل أجر فاعله فائدة عظيمة: من دل على خير فله مثل أجر فاعله، وهو حديث صحيح، خرجه الإمام مسلم في صحيحه، وفي اللفظ الآخر يقول ﷺ: من دعا إلى هدى؛ كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ينبغي التبليغ والدعوة إلى الخير من كل من سمع الخير، وحفظه، وتيقنه.

وأما سؤال الأخ عمن له إخوة، أو أقارب لا يصلون، أو كفرة فهؤلاء لهم شأنهم في الصلة، ليسوا مثل المسلمين، ولكن يوصلون، ويحسن إليهم من غير الزكاة؛ لعل الله يهديهم بأسباب ذلك، ولعل الله يقرب قلوبهم إلى الخير بأسباب ذلك. 

قال الله -جل وعلا-: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] أخبر سبحانه أنه لا ينهانا عن وصل من لم يقاتلنا أن نبرهم ونحسن إليهم، وثبت في الصحيح أن أم أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- وفدت إليها في المدينة في الصلح الذي بين النبي ﷺ وبين أهل مكة، وهي مشركة، وفدت إليها ترغب المال، ترغب الصلة، فاستأذنت أسماء النبي -عليه الصلاة والسلام- في أن تصلها، فقال النبي: صليها. 

وكان عمر  يهدي إلى أخ له في مكة وهو مشرك في الهدنة التي حصلت بين النبي ﷺ وبين أهل مكة، فإذا كان لك أقارب كفار؛ فلا مانع، والأفضل أن تهدي إليهم، وتحسن إليهم؛ لعلهم يهتدون، ولعلهم يستجيبون لدعوة الإسلام.

وهكذا إذا كان لك أخ لا يصلي، أو يتعاطى الخمور، أو يتعاطى المعاصي الأخرى؛ فإنك مع دعوته إلى الله ومع إرشاده إلى الخير ومع إنكار المنكر عليه؛ لا بأس أن تصله، إذا كان فقيرًا، لا بأس أن تصله بشيء من المال؛ تقريبًا لقلبه، ودعوة له إلى الإسلام. 

فإذا أصر على ما يفعل من الباطل؛ فالمشروع لك أن تهجره إذا كان هجره يرجى فيه الفائدة والخير، أما إن كان هجره لا يزيده إلا شرًا؛ فإنك تستمر في نصيحته والإنكار عليه؛ لعل الله يهديه بأسبابك مع صلته إن كان فقيرًا ومواساته، فإن المال له أثره في القلوب، والإحسان إلى الناس يؤثر في قلوبهم، الله -جل وعلا- يقول: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين [البقرة:195]، ويقول: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56].

ويقول الشاعر:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسانًا
فتاوى ذات صلة