الأربعاء ٢٦ / ربيع الآخر / ١٤٤٦
السؤال: ما عليه الرافضة هل يخرجهم من الملة؟
الجواب: أكثرهم يخرجون من الملة، أكثرهم يعبدون عليًّا، ويستغيثون به، ويدعونه من دون الله، هذا كفر أكبر، والذين يبغضون المسلمين، ويقولون: الصحابة ارتدوا كلهم إلا ثلاثة، أو اثنين، كبلال، هؤلاء كفار كالإمامية، وأشباههم، والنصيرية وأشباههم، أما جنس الزيدية لا، لأن الزيدية أخف المفضلة، والذين يفضلون عليّا على عثمان ما يكونون كفارا، يكون غلط، هذا غلط منهم، والذين يفضلون عليّا على أبي بكر، وعمر ولكن لا يسبونهما هؤلاء ليسوا بخارجين من الملة، فالشيعة أقسام كثيرة. قال بعضهم: إنهم اثنان وعشرون قسمًا، بعضهم يكفر بعمله، كالذي يعبدون أهل البيت، ويستغيثون بهم، وينذرون، أو يسبون الصحابة، أو يكفرونهم، أو يقولون: إن جبريل خان، وإن الرسالة لعلي دون محمد، هؤلاء كلهم كفرة نعوذ بالله. أما الأنواع الآخرون من الشيعة فهم دون ذلك، ليسوا كذلك، مسلمون لكن ناقصون، مسلمون لكن عندهم بعض البدع.
قال الحافظُ ابن حجر رحمه الله تعالى في باب صفة الحج ودخول مكة، في حديث جابر : وَفِيهِ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنى، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَأَجَازَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَدَفَعَ، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: يا أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ، السَّكِينَةَ، وَكُلَّمَا أَتَى حَبْلًا من حبالٍ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ. حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ. ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ، وَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّر، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، كل حصاةٍ مثل حَصَى الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا. الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه. أما بعد: فهذه بقية حديث جابر، وحديث جابر حديثٌ طويلٌ، قد اعتنى به جابرٌ ، واجتهد في رواية حجَّته ﷺ مُفصَّلةً، وقد أحسن في ذلك وأجاد ، وتقدَّم أنه طاف طواف القدوم، وسعى بين الصفا والمروة، واختصر المؤلفُ الحديثَ، وتمامه: أنه أمر الناسَ أن يحلّوا، إلا مَن كان معه الهدي، فحلَّ الناسُ وصاروا متمتعين، إلا مَن كان معه الهدي فبقي على إحرامه، وكان ﷺ ممن أهدى، فبقي على إحرامه ولم يحلّ إلا يوم النحر، وهذه هي السنة لمن قدم مكة: إن أهلَّ بحجٍّ أو بحجٍّ وعمرةٍ وليس معه الهدي أن يتحلل ويجعل حجَّه عمرة، ويطوف، ويسعى، ويُقصّر أو يحلق ويحلّ، هذه هي السنة. وقال بعضُ أهل العلم بالوجوب، ثم إذا كان يوم التروية يُحرم بالحجِّ، أما مَن كان معه الهدي فإنه يبقى على إحرامه ولا يتحلل حتى يحلَّ منهما جميعًا، كما فعله النبيُّ ﷺ وجماعة ممن ساقوا الهدي. فلما كان يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، سُمِّي بيوم التروية لأنَّ الناس يأخذون المياه لمنى؛ لأنَّ منى ذاك الوقت ما فيها مياه، فيرتون من مكة، يأخذون المياه لحاجاتهم، ويذهبون بها إلى منى، ولهذا الأمر المشهور سُمّي يوم التروية. توجَّه الناسُ إلى منى ومعهم ﷺ قبل الظهر، وصلَّى بمنى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والمغرب ثلاثة، والعشاء ركعتين، والصبح ...، يُصلي كل صلاةٍ في وقتها، لم يجمع، وهذا يدل على أنَّ هذا هو الأفضل للمُسافر النازل، لا يجمع، هذا هو الأفضل، وقد جمع في تبوك وهو نازلٌ؛ لبيان الجواز، فإذا جمع المسافرٌ وهو نازلٌ فلا حرج، وإن فرَّق فهو أفضل، إذا كان مُستقرًّا مُستريحًا فالأفضل أن تكون كلُّ صلاةٍ في وقتها، إلا إذا كان على ظهر سير فيجمع، إذا كان على ظهر سير وأراد السَّفر بعد الزوال فيجمع العصر مع الظهر جمع تقديم، أو أراد السَّفر قبل الزوال فيُؤخِّر الظهر إلى العصر جمع تأخير، كما فعله النبيُّ ﷺ، وهكذا في المغرب والعشاء، إذا ارتحل قبل الغروب أخَّر المغرب مع العشاء، وإذا ارتحل بعد الغروب قدَّم العشاء مع المغرب جمع تقديم، أما إذا كان نازلًا مُستريحًا فالأفضل كل صلاةٍ في وقتها كما فعله النبيُّ ﷺ في حجَّة الوداع في منى عليه الصلاة والسلام. فلما أصبح يوم عرفة وطلعت الشمسُ، مشى إلى عرفة بعد طلوع الشمس يُلبِّي إلى هناك، قال أنس: "كان يُهلّ المُهِلُّ فلا يُنْكِر عليه، ويُكبِّر المكبِّرُ فلا يُنْكِر عليه"، يعني: منهم مَن يُكبّر، ومنهم مَن يُلبِّي في طريقه إلى عرفات، فلما أتى نمرة وجد قبةً من شعر قد ضُربت له هناك، فنزل تحتها وصلَّى بها، فدلَّ على أنَّ المحرم يستظل بالشجر والخيام، لا بأس بالسيارة إذا حجَّ في السيارة، لا حرج، فلما دنت الشمسُ أمر بناقته فرحلت له، وركب عليها، وأتى بطن وادي عرنة غربي عرفة -الوادي المعروف هناك- فوقف فيه وخطب الناس، وفتح الله له أسماعهم، فسمعوا خطبته عليه الصلاة والسلام، وذكر فيها شيئًا كثيرًا عليه الصلاة والسلام؛ لأنه مجمعٌ عظيمٌ. ذكر فيها أنَّ أمور الجاهلية موضوعة، وأن دماء الجاهلية موضوعة، وأن ربا الجاهلية موضوعٌ، وذكر فيها ما يجب على الرجل لزوجته، وأن للنساء على أزواجهن زرقهنَّ وكسوتهن بالمعروف، وعلى الزوجة أيضًا طاعة زوجها بالمعروف، ولا تُدْخِل بيتَه إلا مَن يرضى. وذكر أيضًا أنَّ مَن لم يجد إزارًا لبس السَّراويل، ومَن لم يجد نعلين فليلبس الخفَّين، وأوصى بالقرآن العظيم، وقال: إني تاركٌ فيكم ما لن تضلوا ...: كتاب الله، وسنتي، وفي لفظٍ: كتاب الله، وسنتي، وكتاب الله يشتمل على السنة؛ لأنَّ فيه: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، فيه الدلالة على أن مَن اعتصم بكتاب الله فإنه لن يضلَّ، إنما الضلال يأتي من الإعراض عن كتاب الله، أما مَن اعتصم بكتاب الله، وتمسَّك به، وأحلَّ حلاله، وحرَّم حرامه، واستقام على ما فيه؛ فإنه مهتدٍ وليس بضالٍّ، وقال لهم: أنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟، قالوا: "نشهد أنَّك قد بلغتَ وأديتَ ونصحتَ"، ونحن نشهد له بذلك عليه الصلاة والسلام؛ قد أدَّى وبلَّغ، أدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وبلَّغ الرسالة، أكمل ... عليه الصلاة والسلام، ويرفع أصبعه إلى السماء هكذا ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد يعني: قد اعترفوا أني بلَّغتُهم. ثم بعدما فرغ من الخطبة أمر بالأذان -أذان الظهر- فأذّن بلال، ثم أقام، فصلَّى الظهر، ثم أقام فصلَّى العصر، بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، صلَّى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، ولم يُصلِّ بينهما شيئًا، دلَّ على أنَّ المسافر يُصلي الفريضة بدون راتبةٍ: الظهر والعصر والمغرب والعشاء يُصليهنَّ بدون الرواتب، إلا الفجر؛ فإنه كان يُصلي الراتبة، كما فعل في مُزدلفة، فلما فرغ من العصر توجَّه إلى الموقف حالًا، فوقف هناك في عرفات، واستقبل الكعبة عليه الصلاة والسلام، ولم يزل يدعو ويرفع يديه ويدعو ويذكر ربَّه حتى غابت الشمس، هذه هي السنة، وقال: وقفتُ هاهنا، وعرفة كلها موقف، يعني: كل إنسانٍ يقف حيث تيسَّر له، في أي بقعةٍ من عرفات، كلها موقف، ولم يزل في دعاءٍ وضراعةٍ وذكرٍ لله عز وجل حتى غابت الشمسُ وهو رافعٌ يديه أيضًا، يرفع يديه في الدعاء. وأرسلت أمُّ الفضل بلبنٍ، فشرب والناس ينظرون؛ ليعلم الناس أنه مُفطر، فالسنة الإفطار في عرفات، السنة للحُجاج أن يكونوا مُفطرين؛ لأنه أقوى لهم على الدعاء، وأنشط لهم على أعمال الحج، وثبت عنه ﷺ أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، فلا يجوز للحجاج أن يصوموا، هذا هو الأرجح، وقال جماعةٌ من أهل العلم: يُكره لهم أن يصوموا، وظاهر النَّهي التَّحريم، فالسنة لهم أن يُفطروا في عرفات، ومَن كان عليه صوم ثلاثة أيام في الحج يصومهنَّ قبل عرفة. فلما غابت الشمسُ انصرف إلى مُزدلفة بعد غروب الشمس، فدلَّ على أن الحُجاج يقفون حتى الغروب، هذا هو المشروع لهم، وهذا هو الواجب عليهم، فإذا غابت الشمسُ شُرِعَ لهم الانصراف إلى مُزدلفة وعليهم السَّكينة والوقار؛ ولهذا لما انصرف كان يقول للناس: أيها الناس، السكينة، السكينة، فإن البرَّ ليس بالإيضاع ليس بالإسراع، وجعل يقبض خطام ناقته إليه، يعني: يُدير رأسها إليه حتى لا تُسرع، حتى يكاد رأسها يُصيب ورك رحله؛ خوفًا أن يُسرع فيُسرع الناس، ومعلومٌ ما في إسراع الناس من المشقة والخطر: من ضرب بعضهم لبعضٍ، وصدم بعضهم لبعضٍ، ولهذا كان يقول للناس: أيها الناس، السكينة، السكينة ويُشير إليهم، ويقول: إنَّ البر ليس بالإيضاع ليس بالإسراع، ويرفق هو حتى لا يُسرع الناس، إذا أسرع أسرعوا، فإذا وجد فجوةً –مُتَّسعًا- نصَّ: إذا وجد فجوةً يعني: محلًّا مُتَّسعًا نصَّ، يعني: أسرع في المحل المتسع، حتى أتى المزدلفة. فلما أتى المزدلفة صلَّى بها المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، لما وصلها قبل حطِّ الرحال، هذه هي السنة، إذا وصل الحجاج في أول الوقت أو في وسط الوقت أو في آخر الوقت بادروا بصلاة المغرب والعشاء قبل حطِّ الرحال، فصلى المغرب ثلاثًا، والعشاء ركعتين، ولم يُسبِّح بينهما شيئًا كما فعل في عرفات، لم يُصلِّ شيئًا بينهما، ولا بعدهما. ثم نام ﷺ، قال جابر: "حتى طلع الفجرُ"، يحتمل أنه لم يُصلِّ في الليل، وأنَّ جابر ما رآه صلَّى في الليل؛ لتعبه، لما حصل له من التَّعب والوقوف في عرفات وسيره، ويحتمل أنه صلَّى ولم يره جابر، وإنما رآه قام عند طلوع الفجر، وقد ينام آخر الليل ويقوم بعد تهجده في الليل، كما قالت عائشة رضي الله عنها. وبكل حالٍ، فالتَّهجد سنة إن تيسَّر فعله، وإن لم يتيسر لم يفعله، وهو ﷺ كان يتهجَّد عادته وسنته كل ليلةٍ، يُوتر كل ليلةٍ عليه الصلاة والسلام، فإذا تيسر للحجاج الإيتار قبل النوم أو بعد النوم فهذا هو السنة الثابتة عنه ﷺ، أما كونه ترك فقد يُشغل عن الوتر، تقول عائشة رضي الله عنها: "كان إذا شغله عن قيام الليل نومٌ أو مرضٌ صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة"، هذا يدل على أنَّ بعض الليالي قد ينام عن التَّهجد لأسبابٍ: قد يشغله بعضُ المرض، فهكذا ليلة النَّحر قد يكون شغله تعبٌ، أو أنه قام ولم يعلم جابرٌ بذلك، وبنى على الظنِّ وأرضاه. لكن السنة باقية ثابتة، السنة التَّهجد بالليل حسب الطاقة، ولو قليلًا، ولو ركعتين مع الوتر، ولو أربعًا مع الوتر، حسب التيسير، قبل أن يستريح، وبعد النوم. ثم صلى الفجر مبكرًا، هذا السنة، صلاة الفجر يوم العيد مبكرة قبل العادة، لكن بعد طلوع الفجر يُصلي الراتبة، ثم يُصلي الفريضة بعد طلوع الفجر، لكن ليس كالعادة في التَّأخير حتى يتَّسع الوقتُ للوقوف عند المشعر الحرام، فلما صلَّى الفجر بأذانٍ وإقامةٍ توجَّه إلى المشعر، وكان تلك الليلة رخَّص للضُّعفاء أن ينصرفوا من مُزدلفة إلى منى بالليل، وأما هو فبقي حتى صلَّى الفجر مُبكرًا، ووقف بالمشعر، واجتهد في الدعاء، ورفع يديه حتى أسفر، فلما أسفر انصرف قبل طلوع الشمس، انصرف إلى منى قبل طلوع الشمس، خلافًا للمُشركين، المشركون كانوا يقفون في مُزدلفة حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ...، أما النبي خالفهم، فلما أسفر انصرف إلى منى مُلبيًا عليه الصلاة والسلام، وأردف أسامة بن زيد معه إلى منى، وهو يُلبي في طريقه، لم يزل يُلبي حتى رمى الجمرة. والسنة للناس أن ينصرفوا قبل طلوع الشمس، يعني: عند الإسفار؛ تأسيًا به عليه الصلاة والسلام، أما الضعفاء من النساء وكبار السن والأولاد الصبيان فالأفضل أن يتوجَّهوا من أثناء الليل، بعد نصف الليل، كما أمرهم النبي ﷺ ورخَّص لهم أن يتوجَّهوا في أثناء الليل إلى منى قبل حطمة الناس. فلم يزل يُلبي حتى رمى جمرة العقبة، رماها بسبع حصيات من بطن الوادي، جعل البيت عن يساره –الكعبة- ومنى عن يمينه، ورماه عليه الصلاة والسلام، يعني: جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه من جهة الجنوب، واستقبل الشمال يرميها بسبع حصيات، هكذا عليه الصلاة والسلام، ثم لما رماها بسبع حصيات يُكبِّر مع كل حصاةٍ انصرف وخطب الناس، وذكر الناس بين الجمرات، وسألوه عن مسائل كثيرة تتعلق بالحج، فهذا يقول: حلقتُ قبل أن أذبح؟ وهذا يقول: ... قبل أن أرمي؟ وهذا يقول: نحرتُ قبل أن أرمي؟ فيقول لهم: لا حرج، لا حرج، ما سُئل يومئذٍ –يعني: يوم النحر- عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: لا حرج، وهذا من تيسير الله جلَّ وعلا ورحمته، فإنها أعمال مهمَّة، والإنسان يغلط أو ينسى، فمن رحمة الله أن وسَّع فيها. فالسنة أن يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق أو يُقصِّر، ثم يطوف، هذا الترتيب الذي فعله النبيُّ ﷺ، يبدأ برمي الجمرة، ثم ينحر الهدي إن كان عنده هدي، ثم يحلق رأسه أو يُقصِّر، والحلق أفضل، ثم يطوف بمكة هذا الطواف، هذا الترتيب المشروع، لكن لو قدَّم بعضَها على بعضٍ فلا بأس: لو نحر قبل أن يرمي، أو طاف قبل أن يرمي، أو حلق قبل أن يرمي؛ فلا حرج، سأله سائلٌ قال: يا رسول الله، أفضتُ قبل أن أرمي؟ قال: لا حرج، قال آخر: نحرتُ قبل أن أرمي؟ قال: لا حرج، قال آخر: حلقتُ قبل أن أذبح؟ قال: لا حرج، فدلَّ ذلك على التوسعة في ذلك والحمد لله؛ لأنه ﷺ لم يُعنف أحدًا منهم، بل قال: لا حرج، لا حرج عليه الصلاة والسلام، فدلَّ على أن ترتيبه للأفضلية، وأنه رمى ونحر وحلق، ثم طيَّبته عائشةُ، ثم طاف، كل هذا للأفضلية، وأنَّ هذا هو الأفضل. والأفضل أنه بعد الرمي يتحلل إذا حلق أو قصَّر؛ لأنَّ عائشة طيَّبته بعدما رمى وحلق ونحر، طيبته وتوجَّه إلى مكة عليه الصلاة والسلام. وذهب قومٌ إلى أنه إذا رمى حلَّ التَّحلل الأول، ودلَّت على هذا بعض الأحاديث، فلا حرج في ذلك، لكن الأفضل والحيطة أن يصبر حتى يحلق أو يُقصِّر ثم يحلّ التَّحلل الأول، مثل لبس المخيط التَّطيب، فهذا التَّحلل الأول، يبقى عليه تحريم النساء –يعني: الجماع. فإذا فعل هذه المذكورات والرمي والحلق أو التَّقصير يتطيَّب ويذهب إلى مكة، هذا الأفضل إذا تيسَّر، يذهب إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، ويسعى إن كان عليه سعيٌ، كما فعله النبيُّ ﷺ، فإنه طاف بمكة، وصلَّى بها الظهر عليه الصلاة والسلام، ثم رجع إلى منى وصلَّى الظهر بالناس الباقين الذين ما صلَّوا، صلَّى بهم الظهر، وكانت الأولى له فريضة، والثانية له نافلة عليه الصلاة والسلام. وقد اختلف الناس: فقال بعضُهم: إنَّ صلاة مكة هو الصواب، وقال بعضُهم: صلاة منى هو الصواب، والصواب أنه فعل هذا وهذا: صلَّى بمكة الظهر، وصلَّى بمنى الظهر، فالأول فرض، والثانية نفل، وكلاهما صادق. ابن عمر روى أنه صلَّى بمنى الظهر، وجابر ذكر أنه صلَّى بمكة الظهر، وكلاهما صادق، فجابر ذكر صلاة الفريضة، وابن عمر ذكر صلاة النافلة: أنه صلَّى بأصحابه الموجودين في منى الذين لم يُصلوا الظهر، لما رجع صلَّى بهم الظهر نفلًا له، وفرضًا لهم. وفَّق الله الجميع. الأسئلة: س: هناك من الحُجَّاج مَن لا يجد مكانًا في منى فيُخيِّم في بداية مُزدلفة؟ ج: لا حرج، مَن لم يجد مكانًا: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] يقف في مُزدلفة، أو في العزيزية والحمد لله. س: قوله: "ثم أتى عرفة، ووجد القبَّة قد ضُربت له بنمرة" يعني هذا أنَّ نمرة من عرفة؟ ج: فيه خلاف، قيل: من عرفة، وقيل: ما هي من عرفة، والمشهور أنها ما هي من عرفة، قُدَّام عرفة قرية خربة. س: الانصراف من مُزدلفة، مثلًا: شخصٌ مع حملة أتوبيس، ولا يعلم أن النساء ضعيفات، أو لا ما يعلم، وركب معهم، وانصرفوا قبل الفجر؟ ج: لا حرج، أتباعهم معهم. س: هناك مَن يصل منى ثم لا يبدأ بالجمرات، ينتظر إلى العصر ثم يرمي؟ ج: نعم؟ س: هناك مَن يصل منى يوم العيد، ثم ينتظر، يتريث إلى بعد العصر، ثم يرمي؟ ج: ما في بأس، كله رمي، يوم العيد كله رمي ...، لو رمى في الليل أجزأه. س: عند المشعر الحرام يكون واقفًا رافعًا يديه؟ ج: واقف أو جالس أو مُضطجع، الأمر واسع، وهكذا في عرفات، لو جلس في عرفات مُضطجعًا حتى غابت الشمسُ لا بأس عليه، أو جلس أو وقف، أو على السيارة، أو في الأرض الحمد لله. س: رافعًا يديه؟ ج: الأفضل أن يرفع يديه عند الدعاء، ويحطّها تارةً، ويرفعها تارةً، حتى يستريح. س: الأذكار التي بعد الصلاة يقولها بعد الجمع؟ ج: نعم؟ س: إذا جمع الصَّلاتين، الأذكار التي بعد الصلاة يقولها بعد الأخيرة؟ ج: بعد الأخيرة، نعم، وإن قال بعضَها بعد الأولى، إن تأخَّرت الإقامة يأتي بها بعد الأولى. س: مَن اكتفى في التَّقصير بشعرات: أربع، أو خمس؟ ج: لا، الصواب أنه لا بد من تعميم الرأس، وفي قول بعض الفقهاء أنه يكفي القليل، وبعضهم قال: الربع، ولكن الصواب أنه يُعمم مثلما عمَّم النبيُّ ﷺ. س: هناك مَن يُؤخِّر طواف الإفاضة إلى طواف الوداع؟ ج: يُجزئ إن شاء الله، لو أخَّر طواف الإفاضة وطاف عند الخروج أجزأ عن الوداع. س: التَّحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة؟ ج: يحصل، وهو قولٌ قويٌّ، لا بأس، لكن الأفضل والأحوط أن يُضيف إليه الحلق أو التَّقصير حتى يتحلل عند الجميع، حتى لا تكون شُبهة؛ لأنَّ في حديث عائشة: إذا رميتُم وحلقتُم فقد حلَّ لكم الطيبُ وكل شيءٍ إلا النساء كما يأتي إن شاء الله، لكن سنده فيه ضعف. س: لو جمع في الحضر بين المغرب والعشاء فهل تسقط سنة المغرب؟ ج: لا، يُصليها بعد العشاء، يُصلي سنة المغرب، ثم سنة العشاء؛ لأنَّ الوقت واسع. س: ما تكون سقطت؟ ج: لا، ما تسقط؛ لأنَّ وقتها واسع، بخلاف السفر، السفر ما فيه راتبة، في مُزدلفة ما يُصليها؛ لأنَّ النبي ما صلَّاها. س: الظهر والعصر في الجمع؟ ج: لا، العصر لا؛ لأنها وقت نهيٍ -العصر. س: الجمع في الظهر إذا صار في مطر؟ ج: في وقت نهي ما يُصليها بعد العصر. س: يعني: فات وقتُها؟ ج: فات وقتها نعم؛ لأنَّ وقت العصر نهي، بعد صلاة العصر وقت نهيٍ. س: مَن لم يجد النَّعلين يلزمه أن يقطع أسفل الخفين، النبيُّ ﷺ لم يذكر ذلك؟ ج: الصحيح: ما يلزم، يلبس الخفّين بدون قطعٍ، هذا الصحيح؛ لأنَّ الرسول ما أمرهم بالقطع في عرفات لما خطبهم. س: .............؟ ج: هذا كان في المدينة قبل السفر، قبل الحج، والأخير يقضي على الأول، يُؤخذ بالآخر فالآخر. س: منسوخ؟ ج: نعم منسوخ. س: هناك مَن يذهب إلى عرفة في الليل فيبيتُ بها؟ ج: لا حرج، لكن الأفضل أن يكون بعد طلوع الشمس مثلما فعل النبيُّ ﷺ، ومَن ذهب في الليل، أو في اليوم الثامن لها، أو في السابع .. لا بأس، لكنه خلاف الأولى، خلاف السنة. س: هل الرسول ﷺ في آخر شوطٍ من طوافه كبَّر؟ ج: نعم، كلما حاذى الحجر كبَّر، في الشوط الأخير، والشوط الأول، والأشواط التي بينهما، يختم بالتكبير، ويبدأ بالتكبير. س: قوله "فجعل حبل المُشاة بين يديه"؟ ج: طريق المشاة، يعني: قدامه الجبل، عن يمينه قريب، وهو مستقبل القبلة عليه الصلاة والسلام. س: إذا انتهى عند المروة في آخر شوطٍ يدعو ويُكبِّر ويقرأ الأذكار؟ ج: نعم؟ س: إذا انتهى في السَّعي عند المروة يذكر الأذكار المشروعة؟ ج: مثل الطواف، في آخره وأوله. س: يقول بعضُهم .. الأول؟ ج: لا، غلط، النبي ﷺ أتى وفعل على المروة، ما فعل على الصَّفا في جميع الأشواط. س: بالنسبة لأصحاب الحملات، يعني: يُخرجون الناس قبل غروب يوم عرفة؟ ج: لا، غلط، ما تجب طاعتهم، ما يُطاعون، يُعلَّمون ويُنْهَون. س: حديث ابن عمر : صلِّ في هذا الوادي المبارك نصٌّ من النبي؟ ج: حديثٌ صحيحٌ في ذي الحُليفة، عند الإحرام يعني. س: هذا نصٌّ أن النبي ﷺ حجَّ قارنًا؟ ج: هو ثابتٌ أنه حجَّ قارنًا، في عدة أحاديث صحيحة أنه حجَّ قارنًا، ومَن قال أنه حجَّ مُفْرِدًا خفي عليه الأمرُ، خفيت عليه العمرة، والصواب قول مَن أثبت الأمرين، ومنها حديث عمر، ومنها حديث ابن عمر، ومنها حديث أنسٍ وغيرهم. س: قول الرسول ﷺ: اللهم فاشهد لو استخدمها الإنسانُ عند الأمور المُهمة فيه بأس؟ ج: ما فيه بأس. س: هناك مَن يتعدَّى المبيت في مُزدلفة طوعًا عن أمره، يمنعونه من الوقوف بالسيارة فيتعدَّى فيدخل منى، فيبيت فيها، فهل عليه هديٌ؟ ج: نعم؟ س: هناك مَن يتعدَّى المبيت في مُزدلفة فيذهب إلى منى طوعًا عن أمره؟ ج: المقصود أن هذا فيه تفصيل: إن كان ما وجد مكانًا منعوه فلا عليه شيء: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وإن كان تساهُلًا منه فعليه دم، مثل منى كان التَّساهل عليه دم، وإن كان ما يوجد مكان فالحمد لله، ما عليه شيء: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. س: يعني إذا سيَّره المرور وقال: لا تقف؟ ج: إذا ما وجد مكانًا، ما استطاع أن يقف فهو مُكْرَهٌ، ما عليه شيء. س: بعض الناس أفتوهم أن يذبحوا ...؟ ج: المكره ما عليه شيء. س: أفتوهم فقط، قالوا لهم وهم في الطائرة أنه يجوز ذبح الهدي في اليوم السادس أو الخامس؟ ج: للعمرة، التمتع يعني. س: أي نعم للمُتمتع؟ ج: هذا قول بعض أهل العلم، والذي ينبغي ألا يذبح إلا أيام منى: يوم العيد وثلاثة أيام بعدها. س: ومَن فعل؟ ج: إذا قضى أحوط؛ لأنَّ الرسول وأصحابه لم يذبحوا إلا في أيام النحر، ومعهم الهدي الكثير. س: الوقوف بعرفة: ما الصحيح فيه؟ من الفجر إلى الفجر أم بعد الزوال؟ ج: الجمهور على أنه من الزوال إلى طلوع الفجر ليلة النحر، وأما الوقوف قبل الزوال ففيه قول أحمد رحمه الله وجماعة من حديث عروة بن مضرس أنه قال: مَن شهد صلاتنا، وقد وقف بعرفة ليلًا أو نهارًا عمَّمها، قالوا: قوله ليلًا أو نهارًا يعمّ ما قبل الزوال، والقول فيه وجاهة، إلا أن الجمهور يحتجُّون بفعل النبي أنه وقف بعد الزوال وقال: خذوا عني مناسككم، فالأحوط للمؤمن ألا يقف إلا بعد الزوال. س: الوقوف بعرفة: هل أثناء الدعاء هل يكون واقفًا؟ ج: واقفًا، أو جالسًا، أو منسدحًا، كله واحد. س: لأنهم بكثرة يقفون؟ ج: لا، ما في بأس، ما هو بلزوم، الوقوف معناه: وقف هناك، سموه وقف يعني وهو على بعيرٍ، جالس على بعيرٍ عليه الصلاة والسلام، وقف يعني صار فيها، يعني حصل فيها، ولو أنه مضطجع، ولو أنه جالس، ما هو بلزوم الوقوف على الدابة، أو على كرسي السيارة، أو على فراشه، أو على سريره، لا، الأمر واسع. س: ولا في وقت يبدأ الدعاء؟ ج: بعد الزوال، بعدما يُصلي الظهر والعصر يبدأ الدّعاء. س: لو علمتُ أني لن أصل مثلًا مدينة الرياض إلى أذان العشاء، هل أُصلي قصرًا أم أنتظر؟ ج: أنت مُخيَّر: إن صليتَ في السفر فاقصر، وإن أخَّرتها إلى الديرة صلِّ مع الناس أربعًا، وإن صليتَ في الطريق. س: والمغرب يا شيخ؟ ج: صلِّها مع العشاء، المغرب ثلاث ما تُقْصَر. س: أُصليها في مدينة الرياض: المغرب مع العشاء؟ ج: المغرب ما تُقصر ثلاثًا، أينما صليتَ ثلاثًا. س: أقصد الجمع، أجمعها؟ ج: إن صليتَ قبل دخول البلد تُصلي المغرب ثلاثًا والعشاء اثنتين، وإن صبرتَ حتى تصل البلد تُصلي المغرب ثلاثًا والعشاء مع الناس أربعًا. س: نهي عمر عن الفسخ هل يدخل في ..؟ ج: عن ماذا؟ س: عن فسخ الإحرام؟ ج: هذا اجتهادٌ منه ، أو نسي السنة، أو لاجتهادٍ منه، وهو يُروى عن الصديق وعن عمر، والصواب ما فعله الرسولُ ﷺ وأمر به. س: هل يدخل فيه النَّهي عن القِرَان؟ ج: مقصودهم الإحرام بالحجِّ، مقصودهم أنَّ الحاج يُحرم بالحج، ويخلي العمرة في وقتٍ آخر، حتى يكثر الزوار والحُجَّاج في جميع السنة؛ اجتهادًا منهم ، والسنة فوقهم. س: كيف يجمع هذا مع أنه راوي الحديث؟ ج: ولو، قد ينسى الإنسانُ، وقد يجتهد، ما هو معصومٌ، قد يجتهد، وقد ينسى.